في هذا العدد كانت النية معقودة على رصد واقع الأمة وهي مقبلة على حدثين : رأس السنة الميلادية التي جثمت على صدرها منافسة -إن لم نقل مزيحة- أغلى المناسبات الاسلامية، وعيد الأضحى الذي يأتي والأمة مفتونة متفرقة متصارعة بعيدة عن دينها، وقد حدث أن صادفت هذا النص للشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله، فأغناني عن الكتابة لما فيه من حسن العبارة وجزالة اللفظ وبلاغة التعبير. (محمد البنعيادي)
هكذا قال الشيخ البشير : بأية حال عدت يا عيد؟ أبالجد العاثر، أم بالجد السعيد؟
وهل أنت بشير لهذه الأمم التي تحتفل باستهلالك، وتبتهج باستقبالك، لما ترجوه من حسن الفأل وتحقيق الحرية والاستقلال، أم أنت لها نذير بدوام الشقاء واستمرار البلاء، أم أنت كما في حكم الواقع ظرف تتكيف بما لا بست، فتدور على السعداء بالسعادة وهو من كسبهم لا من كسبك، وعلى الأشقياء بالشقاء وهو من عملهم لا من عملك، أنت يا عيد ختم سنة، ورقيب أعمال سيئة وحسنة.
فقل لنا بمن أطلع هلالك، وسن في الإسلام إنزالك، ماذا حملت حقيبة العام الماضي من أعمال المسلمين وأحوالهم؟
ويمينا لو أنطقك الله الذي أنطق كل شيء لأديت شهادة الحق فيهم بنصها، ولدللت حقيقة أمرهم على فصلها، ولقلت غير كاذب : إن العام الماضي أضلهم وهم ساهون، وفارقهم بالأمس وهم لاهون، فلا رأيا نافعاً قرروا، ولا وطناً مغصوباً حرروا، وكل ما قطعوا فيه أنات أحاديث لم يملها العقل، وأقوال لم يصحهها النقل، ونزاع بينهم جدال، وغلو وتقصير ليس بينهما اعتدال، شقاق مع القريب، ووفاق مع الغريب، وكفر بالاتحاد، وإيمان بالالحاد، لا ينوا الأجنبي أكثر مما كانوا، ودانوا بطاعته أعظم مما دانوا، وأضاعوا من مصالحهم وأوطانهم وحرمانهم أضعاف ما صانوا، ولولا أربع هن في أعمالهم لمع، وفي عامهم جمع، لكانت صحائفهم في هذا العام كصحائف الفجار ليس فيها حسنة.
يا عيد: يصفك المسلمون بالسعيد والمبارك، ويستقبلونك بالبشر والطلاقة، ويتبادلون فيك التهاني والأدعية بطول الأعمار وبلوغ الآمال، فهل شاموا في مخائلك ما كان لهم حقيقة في أوائلك؟ أم هو تقليد وتصور بليد وضلال بعيد أم هو استرسال مع الفأل، واتباع عكسي للأبطال.
ولو عقلوا لعقدوا فيك المناحات على سوء حالهم وفقد استقلالهم، أأعراس في المآتم وقربات في المآثم؟ فمعذرة يا عيد إذا خرجنا عن مألوفهم، وتنكرنا لمعروفهم، وقابلناك بالتجهم والعبوس، فرأينا فيك أنك قطعة من الزمن تمر، لا تنفع ولا تضر، ولا تحزن ولا تسر وإنما عظم الله من قدرك وأوجب علينا من حقك، لعظم أعمالنا فيك وفي الشهر الذي قبلك وفي جميع الشهور التي سبقتكما، حتى إذا حللت جميلاً بالطيبات تجمل بك الطيبون والطيبات، ورأينا أن العمل في اليوم هو بعض معناه؟
فإذا خلا من العمل خلا من المعنى وما أخليت نفسك يا عيد ولكننا أخليناك، وما ظلمتنا ولكننا ظلمناك، وما عبتنا ولكننا عبناك، ولكأن القائل عنانا وعناك:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
ومعذرة يا عيد فلو حللت بوادينا والنفوس مطمئنة، والإسلام الذي أعلى يومك وأغلى سومك مرفوع الرأس، والعروبة التي كانت تفهم معناك وتعمر مغناك شديدة البأس، والمسلمون كلمتهم مسموعة ومجموعة، وقد تعارفوا فتآلفوا فتحالفوا على الصالحات، وفلسطين التي كانت تستجلى محياك وتنتعش برؤياك موصولة الأسباب بأوطانك.
لو حللت بنا يا عيد ونحن على هذه الحالة لكنت لنا جمالاً، ولكنا فيك كمالاً، أيه يا عيد إن الوهم ليخيل إلي حتى كأنّ الوهم حقيقة أنك توحي إلينا العظات وتملي علينا المثلات:
وقد تنطق الأشياء وهي صوامت
وما كل نطق المخبرين كلام
كأنك تقول (لو أحسنا الإصغاء) : لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، ولا خيراً ولا شراً، ولا أسوق إليكم نحسا ولا سعداً، ولا برقاً ولا رعداً، فأصلحوا أنفسكم واتقوا ربكم واعملوا صالحاً، واجمعوا كلمتكم، وصححوا عقائدكم وعزائمكم، وتحابوا في الله، وتآخوا على الحق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين.