لقد جاء الإسلام بآداب كريمة وأخلاق حميدة تعصم الأمة من الفرقة والضياع، إذ أن الاختلاف سنة قائمة ومطردة في جميع خلق الله. فقد اختلفت الملائكة الأطهار في قاتل مائة نفس وقد ندم على فعله فقالت ملائكة العذاب نحن نأخذه، وقالت ملائكة الرحمة نحن أولى به،…) متفق عليه.
واختلف الأنبياء عليهم السلام قال : >كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن أحدهما، فقالت: إحداهما للأخرى إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك فاحتكما إلى داود فقضى إلى الكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال : ايتوني بالسكين أشقه بينكما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هوابنها فقضى به للصغرى<(متفق عليه). لأن أمه الحقيقية هي التي أشفقت عليه.
واختلف الصحابة رضي الله عنهم الذين هم أنضج طبقة في هذه الأمة، فقد قال النبي يوم الأحزاب : >لا يصلين أحد العصر إلافي بني قريضة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق فأقاموا الصلاة في وقتها وقال بعضهم لا نصليها حتى نأتيها، فلما أخبر النبي باختلافهم لم يعنف على أحد منهم<(متفق عليه).
واختلف العلماء بعد الصحابة، فلم يعب بعضهم على بعض ولم يهجر بعضهم بعضا، قال ابن عبد البر : سمعت يحيى بن سعيد يقول:ما برح أولوالفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يرى المحرم المحلل هلك ولا يرى المحلل المحرم هلك. وقيل للإمام أحمد وكان يرى نقض الوضوء من الرعاف وسيلان الدم الكثير:هل تصلي خلف من خرج منه الدم ولم يتوضأ ؟فأجاب منكرا كيف لا أصلي خلف مالك وسعيد بن المسيب وكانا لا يريان النقض بذالك
إن حقيقة الاختلاف أدرك العلماء الربانيون أبعادها في طبيعة الإنسان, فلهذا كانوا ينكرون على من أراد أن يوحد الأمة في الفروع والجزئيات.
أراد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على ما في الموطأ من آراء وأحكام, ولا يتعدوه إلى غيره فقال مالك:يا أمير المومنين لا تفعل فإن الناس سبقت إليهم أقاويل, وسمعوا أحاديث, وقد أخذ كل قوم بما سبق إليه فدع الناس وما اختار كل بلد لأنفسهم.
إن الاختلاف في الفروع خير ورحمة, وتوسعة على أبناء الأمة, قال عمر بن عبد العزيز:ما يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا, لأنه لوكان قولا واحدا لكان في ضيق.
ذ.عبد الحميد صدوق