نوقشت يوم الثلاثاء 2005/11/29 بكلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس رسالة دكتوراه في موضوع مفهوم الاتباع في القرآن الكريم تقدم بها الطالب الباحث خالد العمراني، وقد تكونت لجنة المناقشة من الدكاترة: الشاهد البوشيخي وفريد الأنصاري وعبد الله الدكير وعبد الحميد العلمي. وقد نال الباحث درجة مشرف جدا.
مجال البحث
مجال البحث هوكتاب الله تعالى، ولم تعن أمة من الأمم بكتابها منذ بدء الخليقة قدر عناية أمة الشهادة بالقرآن العظيم، ولم يحظَ فن من الفنون العلمية المتعددة بما حظي به هذا الكتاب, وما يتصل به من علوم؛ سعيا وراء تفهمه وتدبره, واكتناه أسراره الإعجازية التي ما فتئت تتفتق عن مكنونات رائعة، ودرر لامعة على مر العصور وكر الدهور.
ولئن كان من خطر على الأمة في علاقتها بكتاب ربها؛ أن تعتقد أن عملية التغيير والرجوع إلى موقع الشهادة على الناس يمكن أن يتمر عبر سبيل غير القرآن, والأخطر من ذلك ؛أن تستكين إلى ما يقال من أنه +ما ترك الأولون ممن نظروا في كتاب الله للآخرين شيئا؛, مما يبعث على الجمود،…
وخلافا لهذا القول السقيم، ولأن كتاب الله تعالى المعجز بلفظه ومعناه، ولأنه المَعين الذي لا ينضُب؛ فإنه لا يتوقف عن النضوح بالأسرار العجيبة، والحلول الناجعة لكل زمان ومكان.
وإذا كانت الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية، ولمختلف العلوم المتصلة بالقرآن الكريم بهذه المثابة فإنها تبدو بالنسبة لأمتنا قدرا مقدورا، يجب أن تقع في كل مكان ويُتوجه لإيقاعها على نطاق واسع، رغم الغموض الذي يكتنفها والجدة التي تطبعها، والصعوبات المنهجية والبشرية التي تعترضها، لأن علوم الدين بنيت بناء مصطلحيا مؤسسا على +نواة واحدة -هي المصطلح- عنها، ومنها، تتفرق وتتركب سائر الأركان، والخصائص- المشكلة للعلم(1).
موضوع البحث
كثيرة هي المصطلحات التي لحقها التشويه والتحريف، وطرأ عليها التبديل والتغيير, وكثيرة هي المصطلحات التي عرفت مدا وجزرا في تمثل مفاهيمها، وتذبذبا في التقيد بمضامينها، ومن ذلك مصطلح “الاتباع”.
وظلت هذه القضية تشغل بال الدعاة المصلحين والعلماء العاملين طيلة القرون والأزمان، ولم يكن هم إصلاح الإنسان يدور على غير الدعوة إلى الاتباع والطاعة، لذلك بدلوا لها جهودهم ووهبوها حبات قلوبهم، ولم يألوا جهدا في سبيل تحقق الإنسان بها، وتحملوا لأجلها ألوانا من المهانة والعذاب، وأنواعا من الإذايات(2).
من هنا كان التفكير في جعل هذا المفهوم موضوعا للبحث محاولة مني لاستجلاء معانيه, والوقوف على دلالته الحقيقية, وما تنطق به نصوصه في القرآن الكريم من فوائد وعبر، سائلا الله العون والمدد والسداد.
دوافع الاختيار وأسبابه
يعتبر الشغف بكتاب الله تعالى والولع به دافع الدوافع ، وذلك أنه كان ساكنا النفس ومتملكا الفؤاد منذ أطوار التنشئة الأولى التي صاغ حلقاتها بعناية ورعاية الوالد رحمه الله؛ تحفيظا وتعليما ودفعا للمدارسة والبيان.
وكان من لطف الله بي أن يستمر هذا الربط بكتاب الله تعالى، وهذه الرعاية الأبوية بعد رحيل أبي، مع أستاذي الجليل الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله, حيث وجدت في حديثه عن المفاهيم القرآنية وتغنيه بمنهج الدراسة المصطلحية عند التحاقي بالسلك الثالث, ضالتي التي أنشد، إلى أن توج ذلك ببحث أنجزته معه لنيل شهادة استكمال الدروس بعنوان : +مفهوم الصلاح والإصلاح في القرآن الكريم؛ من خلال بعض تفاسير القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، ثم بتسجيل هذه الأطروحة في موضوع +مفهوم الاتباع في القرآن الكريم؛.
هذا هو السبب الأهم, وهناك أسباب أخرى أجتزئ بذكر البعض منها وهي:
أ- إن جدة موضوع الدراسة المصطلحية والمجال الذي تجول فيه, وهو كتاب الله تعالى.
ب- الإسهام في تعميق الوعي بالدراسة المصطلحية والإقناع بها وخاصة تطبيقها في مجال دراسة المفاهيم القرآنية.
ج- حصر الجهد وصرفه في مجال الدراسة المصطلحية وترسيخ الفهم فيها لما تتسم به من خطورة في الحاضر والمستقبل.
د- العمل ضمن مجموعة بحث سيكون من ثمار بحوثها، إنشاء المعجم التاريخي للمصطلحات القرآنية المعرفة.
مـنهج البحــث
هو المنهج العام للدراسة المصطلحية في بعده وشموله وتطبيقاته إلا ما ظهر من عدم استجابة المصطلح المدروس لبعض أركانه،….
وهكذا فقد تم اعتماد المنهج الوصفي بقصد الكشف عن الواقع الدلالي لمصطلح الاتباع، وتطلب ذلك المرور بمرحلتين أساسيتين هما :
مرحلة الدراسة، ومرحلة عرض نتائج الدراسة وما تُوصل إليه فيها لتشكل الصورة النهائية التي استوى عليها البحث.
فمرحلة الدراســة أهم عناصرها :
الإحصاء، التصنيف، الدراسةالمعجمية، الدراسة النصية والدراسة المفهومية.
ومرحلة العرض هي المرحلة التي تم فيها عرض نتائج وخلاصة ما تقدم من الدراسة، وذلك على الشكل الآتي :
- التعريف، الخصائص، الصفات، الضمائم والمشتقات. وقد فصلت الحديث عن هذه العناصر في المقدمة.
محتوى البحث
توزع العمل في هذا البحث على أربعة فصول ومقدمة و خاتمة.
أما المقدمة فتم الحديث فيها عن مجال البحث وموضوعه ودوافع اختياره ومنهجه ومحتواه و صعوباته.
و أما الفصول فقد تضمنت ما يلي :
< الفصل الأول : خصص للحديث عن دلالات الاتباع. وذلك من خلال مبحثين :
- المبحث الأول خصص لدراسة دلالته المعجمية اللغوية والاصطلاحية.
- المبحث الثاني خصص لدراسة دلالته في القرآن الكريم من خلال إحصائه وتصنيفه و تعريفه.
< الفصل الثاني : خصص للحديث عن خصائص المصطلح، و صفاته في القرآن الكريم, ويشتمل على مبحثين:
- المبحث الأول : تناولت فيه خصائص مصطلح الاتباع في القرآن الكريم
- المبحث الثاني: وتناولت فيه صفات مصطلح الاتباع في القرآن الكريم، وتجلى من خلال النظر فيها أنها قليلة؛ إذ لم تتعد أربع صفات، ورغم هذه القلة فإن المصطلحات الواصفة للمصطلح المدروس تعبر عن مفاهيم جليلة عليها مدار هذا الدين عقيدة وسلوكا, وهي: الإيمان، الإحسان و المعروف.
< الفصل الثالث: خصص لدراسة ضمائم الاتباع في القرآن الكريم, والتي تميزت بكثرتها، حتى إنها لتشكل العمود الفقري للبحث, وقد تبين أن دراسة علاقات المصطلح معزولة عن هذه الضمائم أمر فيه نوع من التكلف و التكرار، لذلك لم تفرد العلاقات بدراسة خاصة وإنما درست ضمن الضمائم.
و قد خلص النظر في متعلَّقات هذه الضمائم أنها تنقسم إلى قسمين : محمودة ومذمومة ولذلك قسمت هذا الفصل إلى مبحثين:
- المبحث الأول :خصصته للحديث عن ضمائم الاتباع المحمود.
- المبحث الثاني : خصصته للحديث عن ضمائم الاتباع المذموم.
< الفصل الرابع: خصص لدراسة مشتقات الاتباع في القرآن الكريم، والملاحظ أن عدد المشتقات قليل؛ الشيء الذي لم يسمح بامتداد المصطلح المدروس وتوسعه خارج ذاته وإسهامه في إنضاج مفهومه عبر الدلالات الكمية و النوعية التي تتضمنها المشتقات المتعددة.
آفاق البحث
إن قضايا الاتباع تبلغ من الكثرة حدا يجعل من دراستها والبحث فيها أمرا لازما.
وإذا كانت هذه المحاولة قد ألمحت إلى بعضها، بنوع من التركيز والإيجاز، ومكنت من التعرف على كمها، والنصوص المتضمَّنة فيها، والكشف عن مجالاتها ومظاهرها… فإنها أكدت في المقابل على أنها تحتاج إلى جهد جهيد، وإلى دراسة عميقة ومتأنية للإحاطة بها، ولبلوغ الغاية منها، ولإتمام ما بدأته هذه المحاولة.
خلاصة
بعد هذه العشرة الطويلة لكتاب الله تعالى, والنظر في أحد مفاهيمه بمنهج الدراسة المصطلحية؛ خلص هذا العمل إلى النتائج الآتية :
أ- التعرف على الدلالة الحقيقية للاتباع …
ب- الإسهام في إغناء مجال الكتابات المتصلة بهذا المفهوم؛ خاصة مع خطورته وندرة التأليف فيه.
ت- نجاعة الدراسة المصطلحية وفائدتها الجمة في تبين المفاهيم القرآنية وسائر مفاهيم التراث العربي الإسلامي، وإقامة مصطلحاتها الإقامة اللازمة.
و تأسيسا على ذلك يمكن اقتراح ما يلي:
< ضرورة تعميم منهج الدراسة المصطلحية في دراسة التراث العربي والإسلامي للأسباب الآتية :
- لما له من فائدة في التوعية بالمفاهيم الحضارية الكبرى التي يختزنها تراثنا ولغتنا المجيدة خاصة مفاهيم ألفاظ كتاب الله عز و جل.
- لما له من فائدة تصحيح الفهوم المغلوطة عن جملة من المفاهيم العقدية والتعبدية و المعاملاتية …
- لمساعدته على بناء النسق الكلي للقرآن الكريم على منهج دقيق وسليم لتنزيله في دنيا الناس أجمعين.
< ضرورة رعاية مشروع الدراسة المصطلحية و تبنيه من قبل الدول والهيئات والمؤسسات الكبرى؛ قصد تأطيره و استثمار نتائج أبحاثه ودراساته في خدمة البلاد والعباد.
———-
1 – منهجية دراسة المصطلح التراثي، ص : 9.
2 – آل عمران : 146.
إعداد : د. خالد العمراني