الصراط المستقيم أقصر طريق إلى الحق
إن أقل الناس معرفة في الإسلام يعرف حقيقة الطريق الإسلامي، فالذي يشرب الخمر أو يسرق أو يزني يعرف من خلال أعماله تلك أنه في طريق غير الطريق السوي.
ولهذا فإن المسلم يطلب ربه أن يهديه الصراط المستقيم فهو لا يرغب في مجرد الطريق بل يصفه : المستقيم، وهذا أيضا إمعان في التشبيه. وهذا ترشيح.
والصراط المستقيم هو الذي ليس فيه انحرافات ولا موهِمات تؤدي إلى التهلكة.
قال الفخر الرازي رحمه الله متحدثا عن إشارة لطيفة في تعبيره سبحانه بالمستقيم في هذا الموضع (التفسير ص 261 ج1) >اعلم أن أهل الهندسة قالوا : الخط المستقيم هو أقصر خط يصل بين نقطتين، فالحاصل أن الخط المستقيم أقصر من جميع الخطوط فكأن العبد يقول : اهدنا الصراط المستقيم لوجوه :
> الأول : أنه أقرب الخطوط وأقصرها، وأنا عاجز فلا يليق بضعفي إلا الطريق المستقيم.
> الثاني : أن المستقيمواحد وما عداه معوجة وبعضها يشبه بعضا في الاعوجاج فيشتبه الطريق علي، أما المستقيم فلا يشابهه غيره فكان أبعد عن الخوف والآفات وأقرب إلى الأمان.
> الثالث : الطريق المستقيم يوصل إلى المقصود والمعوج لا يوصل إليه.
> والرابع : المستقيم لا يتغير، والمعوج يتغير.
فلهذه الأسباب سأل الصراط المستقيم والله أعلم<.
والمهم أن الانسان مادام في الطريق الواحد لا يخاف، لكن إن كثرت عليه الطرق اشتبه عليه الأمر ووقع المشكل، والمسلم يسأل الله أن يهديه طريقا مستقيما ليس فيه ما يوهم أنه على الحق والحالة أنه على ضلال.
إن من أخطر الحالات التي يكون عليها الانسان المسلم خصوصا حالة كونه على شيء يبدو له أنه دين، لكن ينكشف الأمر أنه كان ضالا. بمعنى : أن بعض الناس يتوهم أنه على حق فيتصرف وفق ذلك وهو في حقيقة الأمر ضال ولا ينتبه لذلك إلا بعد مدة وربما بعد فوات الأوان. وقد كان الإمام محمد عبده(دروس من القرآن ص 52) يضرب لهذا مثلا : >وأضرب مثلا لذلك بأحد الشيوخ المتفقهين سرق كتابا من وقف أحد الأروقة في الأزهر مستحلا له بحجة أن قصد الواقف الانتفاع به، وهو يحصل بوجود الكتاب عنده.. وقد يفوت النفع ببقائه في الرواق حيث وضعه الواقف<.
ومن الأمثلة الأخرى التي يمكن أن تلاحظ في واقعنا هذا خصوصا في ديار الكفر : فمن الغريب أن بعض المسلمين في دول الكفر وصلت إليهم بعض الفتاوى السقيمة. من ذلك أنه قيل لهم : أنتم في دار الكفر فمال الكفار مُباح لكم، فمن استطاع أن ينهب منهم شيئا فليفعل؟! وهذا من الفقه السقيم.
فهذا المسلم الموجود في دار الكفر لا شك أنه من المستأمنين، فهو دخل لهذه الديار بجواز سفر وبتأشيرة وبمقابل مادي وبالتزامات قانونية ولم يدخلها بالبندقية. فكيف يمكن له أو يحق أن ينهب أموال أبناء هذه الديار؟!
ثم إن مثل هذه الفتوى تعطي صورة دنيئة للاسلام علماً بأن هذهالديار الكافرة خليط من أجناس مختلفة من ملل مختلفة. فيصبح الاسلام في رأي هؤلاء دين نهب وسرقة.
ومن ديار الكفر دائما يمكن إعطاء مثال آخر يبرز خلاله أبناء الاسلام، ويتعلق الأمر بأولئك العمال الذين يتخذون الشهادات الطبية المؤسسة على الكذب سبيلا للذهاب إلى المساجد أو لأجل الراحة أو لأجل أخذ رخص قانونية لأجل الإكثار من جمع المال من حرف مختلفة.
وإذا كان هذا شأن بعض الأحوال المتعلقة بالمسلمين في دول الكفر، فإن هذا لا يغيب في الدول الاسلامية التي نعيش فيها. وإن من أبرز علامات الفهم السقيم للإسلام من بعض أحوال ما يلاحظ في المؤسسات التعليمية التي كان من المنتظر أن تكون عنوانا للتربية الاسلامية، فإن هذه المؤسسات وخصوصا منها ذات المستوى العالي أصبحت عنوانا ورمزا للغش سواء من جهة المعلم أو المتعلم. وظاهرة الغش في الامتحانات أصبحت وسيلة سهلة ومؤدية للنجاح دون أدنى عناء علمي موضوعي. ومن الغريب أنه لا فرق في ذلك بين الذكور والإناث ولا بين المستويات على اختلافها. فقد أصبح من العادي جدا أن يضبط الطلبة وهم يجتازون امتحانات الاجازات في حا لة غش.
والذي يجب أن يحسم فيه الأمر هنا هو أن النقل في الامتحانات حرام لأنه يؤدي إلى تجهيل هذه الأمة. والذي يرى الغشاشين من أصحاب النقل أو ما شابه ذلك فهو مساهم في هذه العملية المحرمة.
إن الإسلام يُربي الأمة على الصراحة وعلى العلم وعلى المنافسة بعيداً عن كل ما من شأنه أن يكون مجرد سبب في الحرام وإلا فإن هذه الأمة لن يكون لها شأن.
إن من أغرب ما يمكن أن يلاحظه الانسان حاليا أن الأمم الكافرة تتعامل مع العلم بجد، ومع المتعلمين بصرامة وجدية ومع العلماء بأدب واحترام، في الوقت الذي أصبح فيه المعلم العالم مذلولا مقهوراً في الأمة الاسلامية علاوة عن انحطاط العلوم وغيابها أمام الضعف الذي أصبح عليه المتعلم بسبب خموله وانصرافه إلى اللهو واللعب في الوقت الذي يبقى فيه المتعلم في الدول الكافرة ملتزما لعلمه إلى وقت متأخر من السنة الدراسية.
إن هناك جسورا دقيقة مضبوطة بين طرق الخير وطرق الشر. وقد لا يتفطن الانسان لذلك فيضل.
والمسلم إذ يطلب من الحق سبحانه أن يهديّه الصراط المستقيم، فإنه يطلب أن يكون على المنهج السوي وعلى كل ما من شأنه أن يوصله إلى سعادة الدنيا والآخرة من عقائد وآداب وأحكام وتعاليم. على أن المفسرين ذهبوا إلى تأويل الصراط المستقيم هنا إلى أمور منها : الدين، العدل، الحدود، الاسلام، القرآن. والذي ذهب إليه معظم المفسرين ما سبق توضيحه.
د.مصطفى بنحمزة