1 ـ ” أفريكا جيعانة ” :
لا يمكن للمرء الرسالي القريب من نبض الناس كيفما كانت ألوانهم وأجناسهم ، باعتباره مؤتمنا على الرسالة النبوية رسالة الرحمة للعالمين ، إلا أن يستشعر طعم الأسى حزنا على إخوانه من الأفارقة السود ، وهو يراهم في تلك الوضعيات المهينة للكرامة الإنسانية بغابات بلادنا ، يفترشون الأزبال ويقتاتون من طعام أقرب إلى مخلفات النفايات ، ومع ذلك يصرون على الاحتماء باللاحياة والعض عليها بالنواجد هربا من قطران بلدانهم وتوقا إلى فراديس مسمومة مستجيرين في سبيلها بالرمضاء من النار! ..
وبالاستماع إلى تصريحات أولئك الأفارقة التعساء والتمعن وراء عدسات الكاميرا في ظروف عيشهم الأذل من عيشة الصراصير بمجاري المياه، ستنتاب المرء حتما خواطر أليمة شتى..
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ منه الهلع أي مأخذ حول مصير شاة إنعثرت ، وسأله الله سبحانه عن جرم عدم تعبيد الطريق لها ، وهؤلاء السود المساكين جحافل جحافل كأسراب الجراد ، وقد فاضت بهم حدود المغرب العربي ، ينهبون طرقا موحشة بلا معالم إنسانية ، حفاة عراة ، شعتي الرؤوس، ممزقي الأسمال ، إلى حيث ” الحياة والكرامة ” ، فأين هي رؤوس أقوامهم ، أين أحزابهم وجمعياتهم ، أين مسيحيوهم ومسلموهم، ألهذا الحد ( إفريقيا جيعانة) كما قال مغني الهيب هوب بمهرجان الدار البيضاء صيفا ، أم أن الجوع يسكن النخاع الشوكي لمن يديرون شأنها العام؟!! ، فهاهي أخيرا ملفات فسادهم المخضرمة تتعرى لشمس العالم وهي تتمخض وتلد أسراب الملفوظين ، وتفاصيل فضيحة علنية لكل من يملكون رقاب أولئك العبيد الجدد بإفريقيا السوداء ، فلا أ حد كما يقول المثل المغربي يهرب من دار العرس ، والمضحك المبكي في الفضيحة إياها، أن يغض الطرف عن شخوصها وجرمهم الفادح ، رموز القوى الاستعمارية الدولية ، ولاعجب فالمصالح الحيوية بإفريقيا السوداء أقل إسالة للعاب الإمبريالي من مثيلتها بالعراق و أفغانستان ، وإلا فما المانع من إطلاق حملة (إصلاحية) كتلك التي أعلنت على الشرق الأوسط ، والعالم العربي لزعزعة استقراره واستتباعه للفاعل الأمريكي الإسرائيلي، ما المانع من التهديد بتدخل عسكري يشبه ولو قليلا إسهال التهديدات الموجهة صباح مساء لسوريا ، (و إن كنا نرفض سياسات التدخل في شؤون الدول باسم أكذوبات الديمقراطية وغيرها) ما المانع من تجريب وصفة قطع المساعدات في اتجاه محاصرة أباطرة الفساد بإفريقيا السوداء كما تم الأمر وبكل انضباط وطول نفس في الشأن العراقي مع رجالات البعث ورموزه ، ورجالات طالبان بل وحتى من تربطهم كما يقول المغاربة ريحة الشحمة فالشاقور بطالبان ؟!.. وتلك معضلة سياسية مستديمة لا مجال للتفصيل فيها في هذه الأوراق .
2 ـ رجال ورجال، شعوب وشعوب :
قبل شهور تجاوزت السنة حلت بيننا في هذا الوطن العزيز أسراب أخرى لا تقل حجما عن حجم أسراب الأفارقة السود ، ويتعلق الأمر ببني الأصفر من الصينيين ، وتوالت الحكايات الباهرة حول روزنامة رجال ليسوا كباقي الرجال من المحشوين بالقش ، حكايات عن نومهم جماعات كأسياخ السردين ، وتقشفهم النادر في المأكل والمشرب وأمانتهم وانضباطهم وجودة سلعهم المعروضة بأبخس الأثمان ، حكايات بلا عد ولا حساب تشي بعقلية ابتكارية ومسؤولة في نفس الآن وشخصية معتزة تحمل انتماءها فخارا ودليلا على عبقرية الإنسان الآسيوي ، ولن نتوقف عند خصائصهم الأخلاقية النموذجية ، ويكفي الملاحظ انبهارا وهو بحوانيتهم أن يحسب نفسه كما لوكان أمام خلية نحل نشطة أو أمام ساعة منضبطة العقارب تذكرنا بالنظام الكوني الذي قال فيه سبحانه : { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون }.
فكيف أنتجت آسيا هذه العينات من الرجال المسكونين بهاجس الحركة والإنتاج والابتكار وكيف تنتج إفريقيا كل هذه الأكوام البئيسة من الخشب المسندة الهاربة إلى النعيم السهل دون أن تكلف نفسها عناء صناعة جناتها بعرقها ودموعها ، أليس الآسيويون والأفارقة أبناء تسعة أشهر؟! ، والأدهى من ذلك أن من الإفريقيين من نقلت عدسات الكاميرا صور سحناتهم الإسلامية وأدائهم لطقوس صلاة مفرغة من معانيها العظيمة، الداعية لربط الصلة برب الغرب والشرق، لا الأرباب الطينيين الذين لا يملكون لنفسهم ضرا ولا نفعا !..
ويتبادر السؤال جارحا أليما: هل كان الإسلام دين دروشة وهجرات محمومة من أجل كرامة تعني في قاموس الكثير من هؤلاء الأفارقة حب الشهوات من النساء الشقر والمال والبنين ، وأشياء أخرى تلتصق بنفسية المحروم ..أم كان دين هجرات إلى أقاصي الأرض لبعث الحياة في الأموات ومن بينهم هؤلاء الأرباب الجدد القاطنون لأوروبا
ولماذا تجمع الفقراء من أهل الصُّفَّة حول المصطفى عليه السلام ورسالته العظمى ولم يفكروا أمام شظف العيش واستكبار مترفي قريش في (الحريك) إلى بلاد الفرس أو الروم ، والتفوا حول مشروع صناعة الناس وبعثهم من القبور إلى النور ..
وخلاصة القول ، أليس مؤلما أن تتكرر حكاية الدجاجة والذئاب والثعلب في الشأن العربي الإسلامي والإفريقي، فالدجاجة دوما ، وفي جميع الحالات هالكة ، إن لم يأكلها أبناء الداخل من الذئاب ، أكلها الثعلب المتربص من الخارج إما بالانقضاض عليها في عقر دارها أو ترتيب الفخاخ لها لتقطع محيطات الموت راضية مرضية وهي تردد مقولة الطفيلي حين رفض أصحاب مأدبة مشاركته لهم في الأكل متحججين بأن الأكل فيه سم ، قائلا لهم وهو يزدرد الطعام ازدرادا : إن الحياة بعدكم حرام !!!..
ولقد تذوقت دجاجات العالم العربي الإسلامي والإفريقي طعم حياة الغرب المتنعمة وإن عبر التلفاز من خلال مسلسلاته وأفلامه الملغومة، وعبر شهادات من عبروا إلى ” الفردوس ” الغربي ونجحوا في الذوبان فيه ، فحق لها أن تعتبر كما الطفيلي الحياة بعيدا عن الغرب بمثابة الحرام والعدم !!، فأينهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من معلمي الناس الخير كما جاء في الحديث النبوي ، ليذيقوا الدجاجات المضيعة حلاوة السلعة الربانية في عمقها لا في رسومها فحسب، ومن ذاق كما يقول الصوفيون عرف ومن عرف غرف ، وآنئذ ستعرف الدجاجات إذ تذوق الشهد النبوي فيسري فيها نسغه ، فتعرف ، فتغرف ،كيف تصنع وجودها المعتز ونصرها في مواجهة الذئاب والثعالب ! .
ذة.فوزية حجبي