أولا : ظاهرة الكسوف والخسوف من الناحية العلمية
نعلم أن الأرض تدور حول الشمس وتكمل دورة كاملة في غضون 365 يوما، وهذا ما يسمى بالشهر القمري. وقد يصادف أن تكون الشمس والأرض والقمر أثناء حركتها مصطفة أي على خط مستقيم واحد فيحدث ما يسمى بالخسوف أو الكسوف.
خسوف القمر : يحدث الخسوف عندما يدخل القمر في ظل الأرض (أو شبه ظل الأرض) عندما يكون بدرا، حينئذ تكون الأرض بين الشمس والقمر، فتحجب الأرض أشعة الشمس عن القمر جزئيا (عندما يمر القمر في شبه ظل الأرض) أو كليا (عندما يمر القمر في ظل الأرض) أي تكون الأرض والقمر والشمس على استقامة.
كسوف الشمس : ويحدث الكسوف إذا مر القمر مباشرة بين الشمس والأرض عند الاقتران (هلال جديد)، فلو فرضنا أن مستوى مدار القمر منطبق على المستوى الكسوفي (مستوى دوران الأرضوالكواكب حول الشمس) فإن الكسوف سيحدث عند كل اقتران، كما سيحدث خسوف عند كل بدر، ولكن ميل مستوى مدار القمر ب : 5درجات إلى 5درجات و8دقائق لا يسمح بحدوث ذلك، لأنه يجب أن يكون القمر في نقطة تلاقي مستوى المدار القمري والمستوى الكسوفي في نفس الوقت مع الشمس، وهذا ما يسمى بالعقد. (عقد القمر : نقاط تقاطع القمر في مداره مع المستوى الكسوفي) بما أن المسافة بين القمر والأرض متغيرة، ونفس الشيء بالنسبة إلى المسافة بين الأرض والشمس (بسبب مداراتها الإهليليجية) فإن القطر الظاهري لقرص القمر يتغير هو كذلك، وبالتالي تحدث عدة حالات للكسوف ناجمة عن هذا التغير وهي :
الكسوف الكلي : إذا كان القطر الظاهري لقرص القمر أكبر أو مساو للقطر الظاهري لقرص الشمس، والذي يقدرب 30 دقيقة أي 1/2 درجة فإنه يغطي قرص الشمس كليا مشكلا الكسوف الكلي.
الكسوف الحلقي : عندما يكون القمر في أبعد نقطة له حولالأرض، فإن قطره الظاهري يكون أقل من القطر الظاهري لقرص الشمس وبالتالي لا يغطيه كليا فيصبح (أي قرص القمر) محاطا بحلقة نيرة لقرص الشمس ويسمى هذا الكسوف بالكسوف الحلقي.
الكسوف الجزئي : إذا لم يمر القمر بالضبط أمام الشمس فإن هذا الكسوف لا يكون كليا ولا حلقيا، وإنما هو كسوف جزئي، فقرص القمر يغطي جزءا من قرص الشمس فقط.
> تحذير :
إن إمعان النظر إلى الشمس، أو ملاحظتها من خلال جهاز بصري كالتلسكوب، أو المنظار أو المنظار المزدوج (Jumelles)، خطير جدا، وقد يسبب فقدان نهائي للبصر، ولغرض رصد الكسوف، نستعمل عادة نظارات خاصة أو تقنيات الإسقاط.
ثانيا : ظاهرة الكسوف والخسوف من الناحية الدينية :
> 1- صلاة الكسوف والخسوف :
ولقد سن الإسلام لكل من الكسوف والخسوف صلاة خاصة وهي ركعتان في كل ركعة ركوعان، والأفضل أن تصلى جماعة وأن يوجه الإمام على إثرها موعظة للمصلين.
ووقتها من حينالخسوف أو الكسوف إلى التجلي
ويستحب التكبير والدعاء والتصدق والاستغفار إثرها
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: “خسفت الشمس في حياة النبي فخرج إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه فاقترأ قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعا طويلا ثم أدنى من القراءة الأولى ثم رفع رأسه فقال : سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى. ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته وإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة”.
قال الحسن البصري خسف القمر وابن عباس أمير على البصرة فخرج فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتان ثم ركب فقال : إنما صليت كما رأيت النبي يصلي ” رواه الشافعي في المسند…
وروى البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره)
> 2- الحكمة في صلاة الكسوف والخسوف
ولقد كان الناس في عصر النبوة يعتقدون أن كسوف الشمس والقمر إنما هو مشاركة من الطبيعة لموت عظيم من عظماء أهل الأرض. وكان من غرائب المصادفات أن كسوف الشمس الذي حدث في عهد النبي كان يوم وفاة إبراهيم ابنه من مارية القبطية، وقال الناس يومئذ:
إن الشمس قد انكسفت لموته أي حزنا عليه، وإكراما للرسول ولكن النبي لم يسكت على هذا القول الزائف والاعتقاد الباطل، وإن كان فيه إضافة آية أو معجزة جديدة إلى آياته ومعجزاته الكثيرة، لأن الله أغناه بالحق عن الانتصار بالباطل. روى البخاري عن المغيرة بن شعبة قال : انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس : انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله : “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي” وفي بعض الروايات عند البخاري عن أبي بكرة مرفوعا بعد قوله : لا ينكسفان لموت أحد قال : “ولكن الله يخوف بهما عباده”، نعم هو أمر طبيعي لا يتقدم ولا يتأخر عن موعده ومكانه وزمانه، وفقا لسنة الله تعالى، ولكن الأمور الطبيعية ليست خارجة عن دائرة الإرادة الإلهية والقدرة الإلهية، فكل ما في الكون يحدث، بمشيئته تعالى وقدرته، ولذلك فإن المؤمن لا يمر عليه مثل هذا الأمر، بل هذه الآية من آيات الله وهو لاهٍ غافلٌ، كسائِر اللاَّهين الغافلين من البشر، وإذا كان الدعاء والذكر يكفي فيما يتكرر من الأحداث الطبيعية كل يوم أو كلَّ شهر، فهذا في حاجةإلى شيء أكثر من الدعاء والذكر وهو الصلاة، ثم إن أصحاب القلوب الحية تغلب عليهم الخشية من الله، كلما رأوا مظاهر قدرته في خلقه فهم لا يأمنون أن يكون وراء هذا الحادث العادي شيء آخر يعلمه الله ويجهلونه ولا حجرَ على إرادتِه وقدرته. فهو سبحانه إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون.
على أن في ظاهرة الكسوف أمراً يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه، إذا كان غيره لا يلتفت إليه،وهو التذكير بقيام الساعة، وانتهاء هذا العالم، فإن مما ثبَتَ بطريق الوحي اليقيني أن هذا الكون سيأتي عليه يومٌ ينفرط فيه عقدُه، وينتثرُ نظامُه، فإذا سماؤُهُ قد انفطرت، وكواكبُه قد انتثرت وشمسه قد كورتْ، وجبالُه قد سيّرت، وأرضه قد زُلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وإذا ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسماواتُ، وبروزُ الخلقِ لله الواحد القهار. ولعل هذا سرُّ ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف، أن النبي قامفزعا يَخْشَى أن تكون الساعةُ مع أن للساعةِ مقدمات وعلامات وأشراطاً كثيرة أخبر عنها النبي نفسه ولم تقع بعدُ
وبهذا يتضح لنا أن ما شرعه الإسلام من صلاة ودعاء وذكر لله عند انكساف الشمس والقمر لا يعني بالضرورة أن الكسوف نتيجة لغضب من الله تعالى، وأن الصلاة لرفع هذا الغضب وإن فُهِمَ ذلك من كلامِ بعض العلماءِ ممن فسر هذه الظاهرة الكونية، حسبما انتهى إليه علمُه في زمنه، ولكنَّ أفهام العلماء -وخصوصا في مثل هذه الأمور- ليستْ حجة على الدين، فالدين إنما يُؤْخَذُ من كتاب الله وما بيَّنَهُ من سنة نبيه، وما عدا ذلك فكل واحدٍ يُؤخذُ من كلامه ويترك.
والمهم أنه لم يصح عن النبي شيء يدل على أن الكسوف يحدث لغير السبب الطبيعي الذي أجرى الله سنته بوقوعه عنده وبالله التوفيق…
أد. محمد يعقوبي خبيزة