كنت في جولة دعوية بإحدى دول إفريقيا السمراء، وكان مقر إقامتي تقوم على خدمته سيدة مسيحية، وكان كلما أرادت أن تدخل غرفتي دخلت بغير استئذان، فتعجبت من هذا التصرف الذي أدركت من خلاله قيمة نظام الأخلاق في الإسلام، والذي علم المسلم آداب الإستئذان لحفظ أسرار الناس الخاصة عن الأعين، قال : >إنما جعل الاستئذان من أجل البصر<(رواه البخاري). حتى لا يطلع أحد على عورة أخيه، ولهذا كان النبي إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول السلام عليكم<(رواه أبو داود بإسناد صحيح).
وعلم المسلم أن يستأذن ثم ينتظر قدر ما يصلي صاحب البيت ركعتين خفيفتين ثم يستأذن المرة الثانية والثالثة فإن لم يجبه أحد انصرف، قال رسول الله : >الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع<(إسناد صحيح).
وينبغي للمسلم أن يعرف بنفسهإذا قيل له من أنت؟ وقد استأذنت أم هانئ فقال لها من هذِه فقالت أم هانئ<(متفق عليه).
ويكره أن يقول أنا إذا قيل له من أنت، عن جابر قال أتيت النبي فدققت الباب فقال من ذا فقلت أنا، فقال : >أنا أنا كأنه كرهها<(متفق عليه).
بهذه الأخلاق الكريمة يعيش المسلم مع أخيه المسلم، والخروج عن هذا الأدب يستوجب وعيداً شديداً، قال رسول : >لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح<(متفق عليه).
ولو أنك فقأت عين من اطلع عليك خفية وأنت في ستر بيتك لم يكن عليك إثم ولا جناح ولا قصاص، قال رسول الله : >من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية له ولا قصاص<(رواه أحمد والنسائي).
ويحل لك الدخول إلى البيت إذا كنت قادماً مع صاحب البيت أو مع رسوله الذي بعثه إلى دعوتك، قال رسول الله : >إذا دعي أحدكم إلى طعام ثم جاء مع الرسول فإن ذلك إذنه<(رواه البخاري معلقاً) ويتأكد الاستئذان حتى على الصبيان في العورات الثلاث، قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات، من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم}(النور : 57).
ذ. عبد الحميد صدوق