… عباد الله : لقد حل بنا شهر رمضان، لقد عاد إلينا شهر الصيام، شهر الطهر، شهر المغفرة، والتوبة، شهر الفضائل والبركات، شهر الخيرات والعطاءات الربانية. قال تعالى : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} أطل علينا هذا الشهر الكريم معلنا لكل غافل أو جاهل أن قد جاءت الفرصة الكبرى لتصطلح القلوب مع ربها، وتمتلئ بفيض الهداية ونور الحق. جاءنا المطهر العظيم بالبشائر الحسنى، فحري بنا أن نغتنمه دقيقة دقيقة لنتطهر من دنس المعاصي والضلالات ومن أوساخ الذنوب والآثام ومن الأمراض والأدواء والأسقام حتى تسلم أرواحنا وتسلم أجسامنا وتطمئن نفوسنا وتسموَ أرواحنا وتستلهم عقولنا طريقها إلى الله. وتغمر قلوبنا طمأنينةُ الذكر وبَرْدُ اليقين، فشهر رمضان هو فرصة لتحقيق النصر على النفس والهوى والشيطان، هو شهر يكثر فيه الإقبال على الطاعات، هو شهر الصبر والعزم والإرادة. عن أبي هريرة ] أن رسول الله قال : >إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين<(الشيخان).
وهو شهر التقرب إلى الله عز وجل بالصيام. وللصوم أفضال كثيرة وثواب عظيم. عن أبي هريرة ] قال : قال رسول الله : >قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّهُ أحد أو قاتله فليقل إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده لَخُلُوف فم الصائم أطيب من ريح المسك، للصائم فرحتان : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه<.
والرفث : الفحش والكلام البذيء وخصوصا ما يتصل بالجانب الجنسي. والجُنة : الحمية، والستر والحفظ، والصوم يستر صاحبه ويحفظه من المعاصي.
وعن سهل بن سعد ] عن النبي قال : >إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة. لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلِق فلم يدخل منه أحد<(النسائي) وعن عبد الله بن عمرَ ] أن رسول الله قال : >الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال : فيشفعان<. وعن أبي سعيد ] قال : قال رسول الله : >ما مِن عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا<. وعن أبي هريرة ] عن النبي قال : >من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه<(أبو داود) ومعناه، أن يصوم وهو مؤمن بثوابه راغب في جزائه، ونفسه طيبة، طيعة، مقبلة غير كارهة ولا مستثقلة إياه.
عباد الله : إنها نعمة إلهية ومنة ربانية أن أمدَّ الله تعالى في أعمارنا حتى نصادف هذا الشهر المبارك، وإن ذلك ليستوجب منامزيدا من الحمد والشكر والثناء. فلنحرص جميعا بكل عزم وإرادة وصبر على أن نستقبله كما يجب، وأن نعامله كما ينبغي.
أيها العبد الضعيف مثلي : أقلع عن أهوائك وشهواتك وارجع عن غيك وضلالك، وابتعد عن كل شر ومنكر وقبيح، واطرق باب التوبة والإنابة، واحمل شعار الخوف والخشية، ومُدَّ يديك إلى المولى الكريم واسأله الصفح والغفران وتقرب إليه بالطاعة والعبادة وتودد إليه بكل بر وإحسان. واملأ قلبك بمحبة الله وعظمته، وصدرك بهيبته وجلاله، واطلب رحمته ورضاه. وجدد مع الله العهود والمواثيق، واعقد العزم على الوفاء بما عاهدت الله عليه. واستجب لدعوة الرحمان، وابتعد عن أعمال الشيطان تَفُزْ بأعلى مراتب الجنان، وتسعد بالمغفرة والرضوان. اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك أن ترزقنا صيام العارفين وصلاة الخاشعين وقراءة الوجلين ودعاء المنيبين.
إن شهر رمضان فرصة لتربية النفس وتزكيتها وتدريبها على الطاعات وترك المنكرات وقد مرت بنا شهور عديدة من رمضان بحسب السنوات التي قضيناها من أعمارنا، فهل فعلا تدربنا على الطاعات؟ وهل فعلا تجنبنا المنكرات؟ هل جاهدنا نفوسنا على ترك العبادات السيئة واستبدالها بمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال وجميل الأقوال؟ هل أحسسنا أن نفوسنا تنتقل من حال إلى حال أحسن كلما صادفنا شهر رمضان؟ هل نحن الآن في هذا الشهر الكريم أزكى إيمانا وأحسنُ حالا من رمضان السابق؟
üüüüüüü
….عباد الله : لماذا لا نعقد العزم الآن ونجدد النية الآن ونقوي الإرادة على أن يكون رمضان هذا أحسن من غيره، وكأننا نصوم لأول مرة. فنستقبل هذا الشهر وكأننا ندخل مرحلة تدريبية، أو ننخرط في تكوين مستمر. على أساس أننا حينما ننتهي من هذه المرحلة التدريبية نكون قد تعودنا على مجموعة من أعمال البر والخير لنستمر في القيام بها وإنجازها باستمرار وبدون انقطاع. ونكون كذلك قد تخلينا عن مجموعة من العبادات السيئة، فلا نعود إليها أبداً. وكل واحد منا يمكنه أن يسطر برنامجا خاصا به يقدر على تطبيقه ويستطيع الالتزام به : فبخصوص فريضة الصلاة مثلا هناك من الناس من كان هذا الشهر هو أول شهر يقف فيه بين يدي الله عز وجل فليحرص هذا الصنف من الناس على ألا يترك الصلاة أبداً. ومنهم من كان هذا اليوم هو أول يوم يصلي فيه مع الجماعة فليحرص هؤلاء على ألا يتركوا صلاة الجماعة إلا لأعذار قاهرة، ومن الناس من يصلي الصبح لأول مرة مع الجماعة في وقته، فليجعل همه هو أن لا يترك صلاة الصبح مع الجماعة، ومن الناس من يكتفي بالمحافظة على الفرائض ولا يهتم بالنوافل في سائر الأيام فليجعل في برنامجه خلال هذا الشهر حصة للنوافل، وهكذا إذا قضينا شهر رمضان بحول الله على هذا الحال من الحرص على أداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة وعلى الإكثار من النوافل فإننا سنربح خيرا كثيراً خاصة وأن العمل في رمضان يضاعف أجره كما أخبر بذلك الحبيب المصطفى وإليكم الحسابات بالتدقيق :
1- الفريضة في رمضان =70 فريضة، فمن حافظ على أداء كل الصلوات المفروضة في شهر رمضان كله ينال أجر الصلوات المفروضة في 70شهرا =5 سنوات وعشرة أشهر.
2- خمس صلوات مفروضة في يوم واحد =350 صلاة عدد صلوات 70 يوم= شهران وعشرة أيام.
أما بخصوص النوافل : فإذا اعتبرنا الحد الأدنى للنوافل هي : رغيبة الفجر+ الضحى +4 ركعات قبل الظهر+2 بعد الظهر+2 قبل العصر+2 بعد المغرب +10 التراويح +2 الشفع+ الوتر=14 فريضة + تحية المسجد واحدة= أداء الصلوات المفروضة لثلاثة أيام *30= ثلاثة أشهر. إذن الحد الأدنى من النوافل في شهر رمضان=الفريضة الخاصة بثلاثة أشهر في غيرها دون احتساب ليلة القدر. مجموع الفرائض والنوافل الخاصة بشهر رمضان = 6سنوات وشهر واحد دون احتساب ليلة القدر.
فاحرص أيها المؤمن على أن تنال هذا الأجر الوفير والربح الكثير. وطعم ذلك بالإكثار من قراءة القرآن، وإليك اقتراح بسيط لبرنامج تلاوة القرآن :
حزب واحد بعد صلاة الصبح. ثمن واحد قبل صلاة الظهر وثمن واحد بعد صلاة الظهر، ثمن واحد قبل صلاة العصر وثمن واحد بعد صلاة العصر حزب واحد بعد صلاة المغرب. نصف حزب قبل النوم : المجموع 4 أحزاب في اليوم خلال شهر رمضان=ختمتان. مع الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار والصلاة على رسول الله في كل الأوقات. أما أولئك الذين يتعذرون بكثرة الانشغالات فأنصحهم باستغلال الوقت الذي يقوضونه أمام شاشة التلفزة. اللهم إنا نسألك لذة التقوى ولذة العافية ولذة التمتع بحلاوة الصيام وحلاوة القيام، وحلاوة التضرع والخشوع والإنابة لك آناء الليل وأطراف النهار، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
ذ. إدريس اليوبي