كثير من النساء تتساهل في أمر الرضاع، فيرضعن الولد من امرأة، أو من عدة نسوة، دون عناية بمعرفة أولاد المرضعة وإخوانها، ولا أولاد زوجها -من غيرها-، ليعرفوا ما يترتب عليهم في ذلك من الأحكام، كحرمة النكاح، وحقوق هذه القرابة الجديدة التي جعلها الشارع كالنسب، فكثيرا ما يتزوج الرجل أخته، أو عمته، أو خالته من الرضاعة، وهو لا يدري، والواجب الاحتياط في هذا الأمر، حتى لا يقع الإنسان في المحظور، وعليه، فالرضاع جارٍ مجرى النسب في التحريم، فكل محرمة بالنسب محرمة بالرضاع، وجارٍ مجرى الصهرية أيضا، فكل محرمة بالمصاهرة يحرم مثلها من الرضاع.
والأصل في وقوع التحريم بالرضاع قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}(النساء :23).
وقوله : (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) رواه البخاري وفي رواية لمسلم (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) وكذلك المحرمات بالمصاهرة يحرم مثلهن من الرضاع، اعتبارا بهذا الأصل.
وهناك أصل آخر في هذا الباب: وهو أن اللبن المحرم من قبل المرضعة ذات الزوج يعتبر فيه زوجها صاحب اللبن، وهو ما اتفق عليه جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وأئمة المذاهب وأتباعهم إذ قالوا: (إن لبن الفحل يحرم) قال الوزير يحيى بن هبيرة واتفقوا -أي الأئمة الأربعة- على أن لبن الفحل يُحَرَّم) وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما: (اللقاح واحد) حينما سئل عن رجل كانت له امرأتان أرضعت إحداهما جارية، وأخرى غلاما: أيحل للغلام أن ينكح الجارية؟ قال “لا”، >لأن اللقاح واحد<(أخرجه في الموطأ، وأخرجه الترمذي وقال بدل المرأتين “جاريتين”.
ذكر المحرمات من الرضاع :
1- الأم من الرضاع : إذا أرضعت امرأة طفلا، صارت أمه من الرضاع، وزوجها صاحب اللبن أباه من الرضاع، لأن اللبن للفحل كما سبق ذكره.
فتحرم عليه هيوأمهاتها نسبا ورضاعا، وأمهات زوجها نسبا ورضاعا وإن علون، لأنهن أمهاته من الرضاع.
2- .البنت من الرضاع: وإذا أرضعت امرأة بنتا حرمت على زوجها صاحب اللبن لأنها بنته من الرضاع، كما تحرم على آباء أبيها وإن علوا من النسب أو الرضاع، وتحرم على آباء أمها المرضعة، سواء كانوا من النسب أو الرضاع وإن علوا. كما يحرم على هؤلاء الآباء فروع هذه البنت من النسب ومن الرضاع، فيحرم عليهم بناتها، وبنات بناتها، وبنات بنيها وإن سفلن من النسب أو الرضاع.
3- الأخت من الرضاع: ومن رضع من امرأة حرم عليه بناتها نسبا ورضاعا، لأنهن أخواته من الرضاع، والأخوات من الرضاع يحرمن، سواء كن أخوات لأب وأم، أو لأب دون الأم، أو لأم دون الأب، لأن اللبن يحرم من قبل المرضعة، ومن قبل زوجها صاحب اللبن. وكل طفل رضع ثديا رضعته طفلة حرمت عليه سواء كان رضاعهما في زمن واحد، أو كان بينهما سنون، فإن كان الزوج صاحباللبن واحدا، فهي أخت لأب وأم من الرضاع، وإن كان صاحب اللبن لهذا الثدي مختلفا، فهي أخت لأم من الرضاع.
وكذلك إذا رضع الطفل لبن امرأة، والطفلة لبن امرأة أخرى، وكانتا زوجتين لرجل واحد، حرمت عليه ولو كان بين رضاعهما سنون، لأنها أخته لأبيه من الرضاع.
4 و5- العمات والخالات: ومن رضع من امرأة حرمت عليه أخواتها وعماتها وخالاتها من النسب ومن الرضاع، لأنهن خالاته وإن علون.
6 و7- بنات الأخ وبنات الأخت: ويحرم على الرضيع بنات أبناء المرضعة وبنات أبناء زوجها نسبا ورضاعا وإن سفلن، لأنهن بنات إخوانه من الرضاع ويحرم عليه بنات بنات المرضعة، وبنات بنات زوجها نسبا ورضاعا وإن سفلن، لأنهن بنات أخواته من الرضاع. أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن النبي أُريدَ على ابنة حمزة رضي الله تعالى عنه -أي أرادوا له أن يتزوجها- فقال: (إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم).
المحرمات بالصهر يحرم مثلهن من الرضاع أيضا وهنّ :
1- .زوجة الأب من الرضاع: وتحرم على الابن رضاعا بمجرد العقد، كما حرمت على ابنه من النسب، وكذلك تحرم عليه زوجات آباء أبيه من الرضاع وإن علوا، لأنهن زوجات أجداده، سواء كانوا آباء أبيه نسبا أو رضاعا، وكذلك زوجات آباء أمه من الرضاع.
2- زوجة الابن من الرضاع: وتحرم على الأب زوجة ابنه من الرضاع بمجرد العقد، كما حرمت عليه زوجة ابنه من النسب، والتقييد “بالأصلاب” في الآية الكريمة لإخراج الابن بالتبني وكذلك تحرم زوجة ابن بنته نسبا ورضاعا وإن سفل.
3- أم الزوجة رضاعا: وكذلك تحرم عليه أم زوجته من الرضاع بمجرد العقد على الزوجة، وكذلك جداتها من قِبَلِ أمها وأبيها وإن علون، نسبا أو رضاعا.
4- بنت زوجته من الرضاع: وتحرم عليه بنت زوجته من الرضاع إذا دخل بالزوجة، فلا يُحَرِّم العقد دون دخول، لاشتراط الدخول بالزوجة في آية تحريم الربيبة، وكذا تحرم بنات بناتها، وبنات أبنائها نسبا ورضاعا.
ما يستثنى من المحرمات رضاعا :
لقد استثنى العلماء ست نسوة، لا يحرمن من الرضاع، وهم محرمات من النسب وهن :
1- أم أخيك من الرضاع، وأم أختك من الرضاع: فإنها تحرم من النسب، لأنها: إما أمك، أو امرأة أبيك.
أما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم عليك، لأنه لا صلة بينك وبينها بنسب أو رضاع.
2- أم ولد ولدك من الرضاع: فهي حرام من النسب، لأنها: إما ابنتك أو زوجة ابنك، وكلتاهما حرام عليك.
ولو أرضعت امرأة أجنبية ولد ولدك لم تحرم عليك، كما لم تحرم عليك مرضعة ولدك، لأن أم ابنك من النسب حلال، وهي زوجتك، فكذلك أم ابنتك وأم ابنك من الرضاع لعدم السبب المحرم.
3- جدة ولدك من الرضاع: وهي من النسب، إما أمك، أو أم زوجتك وكلتاهما محرمتان.
ولو أرضعت أجنبية ولدك لم تحرم عليك أمها لانعدام سبب التحريم.
4- أخت ولدك من الرضاع: وهي من النسب حرام، لأنها إما بنتك أو ربيبتك.
ولو أرضعت امرأة ولدك، أو أرضعت زوجَتُكَ ولدا، فلك نكاح أخته، لعدم السبب المحرم.
5-وأم عمك وأم عمتك من الرضاع، وهي من النسب محرمة لأنها، إما جدتك، أو زوجة جدك.
ولو أرضعت أجنبية عمك، أو عمتك لم تحرم عليك.
6- أم خالك، وأم خالتك: والجواب فيهما كسابقتيهما.
ذ. محمد حطاني