أقامت جمعية علماء الجزائر ندوة دولية عظيمة في موضوع : “الإمام محمد البشير الإبراهيمي” بمناسبة مرور أربعين سنة على وفاته، وقد سارعت الدولة إلى الدعم المادي والمعنوي لهذه الندوة.
وجمعية علماء الجزائر التي أسسها ثلة من علماء الجزائر بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس، والإمام محمد البشير الإبراهيمي، والإمام الطيب العقبي، مؤسسةٌ إسلامية حضاريةٌ فريدة في العالم العربي، فلا نعلم أن جمعية للعلماء كان لها مدارسها ومعاهدها وبعثاتها الطلابية للخارج، ولها جهاز تعليمي وتربوي كبير، كما كان لها كشافتها، بل كان لها قسم للبنات. ومما زاد من مكانة هذه الجمعية أنها كانت فوق الأحزاب تصلح ذات بينها وتشاركها مواقفها وصراعها مع المستعمر الفرنسي، بل كانت هذه الجمعية أشد على الاستعمار من تلك الأحزاب المتصارعة والمتنازعة وجهادها العظيم ومواقفها الصارمة مشهودة.
غير أن اتجاه ساسة الجزائر اليساري إثر الاستقلال، واحتذاءهم المظهر الصيني الثوري في اللباس والاشتراكية والاستبدادية والحزب الواحد والزعامة الواحدة والقرارات اليسارية الحاسمة أثار حفيظة العلماء، ولاسيما قادتهم، فانبرت الجمعية تندد بهذا الاتجاه وتحاول أن تذكر الثوريين أن الجزائر شعب مسلم، وإلى العروبة ينتسب، فكان رد فعل الزعامة الثورية أن ألزمت الشيخ الإمام الإبراهيمي بيته، وصودرت أملاك الجمعية، بل كان هناك بعض الموظفين المنتسبين للجمعية على استعداد لإصدار بيان ضدا على قيادتهم ومعارضة إمامهم، وقد اختار الله هذا الإمام إلى جواره، وانحلت الجمعية تقريبا، وظلت كذلك إلى أن قيض الله لها البقية الصالحة من رجالها، ليبعثوها من جديد، وهاهي الجمعية تعقد هذه الندوة الدولية التي أبانت عن الرصيد العظيم الذي ما يزال عندهافي الوسط العلمي والطلابي والشعبي للجزائر المسلمة.
وقد أصدرت توصيات هامة في : مناشدة المسؤولين بإرجاع ممتلكات ومؤسسات الجمعية لها، ولاشك أنهم سيحققون هذا المطلب، لاسيما أن الجزائر تخلت عن الاشتراكية والتقليد الصيني القديم، وأصبحت تدور في فلك اقتصاد السوق والعولمة، وانتقلت إلى اليمين مثل جميع الدول العربية التي تستجيب لبعض “الإصلاحات” المطلوبة أمريكيا، ولو كانت في غير صالح الأمة والدولة على المدى البعيد، من ذلك “التخصيص” الذي يعبر عنه (خطأٌ لغوي) بالخصخصة والخوصصة، وإن كانت هذه الأنظمة عازمة على أن تظل مساجدها وما يتبعها “مؤمما” أو على تأميم “الدين”، خلاف ما هو سائد في أوربا وأمريكا حيث ما لقيصر لقيصر وما للكنيسة للكنيسة.
ويبدو أن الجزائر قد تضطر لترك العلماء أحرارا نوعا ما حتى يكونوا عنصر توازن اجتماعي بعد التجربة المرة التي مرت بها الجزائر، وخلفت وراءها مآت آلاف من القتلى والمصابين والمنكوبين والمفقودين والفارين واللاجئين والمهاجرين إلى الخارج.
إن تكريم الشيخ الإمام الابراهيميي في هذه الظروف اعتراف بإمامته ورسالته وعودة حميدة للاعتراف بالعلماء ومكانتهم في المسيرة الاسلامية الجزائرية التي تحتاج إلى حكمتهم وتأنيهم، وهذا ما يبشر بخير كثير.
أما رابطة علمائنا بالمغرب فقد اختفت أو كادت، ولم نعُدْ نسمع عنها شيئا، وإن كان مآلها بعد وفاة الشيخ المكي الناصري رحمه الله كان يوذن بالانكماش والانزواء، ونحن في انتظار تجديد هذه الرابطة وإعادتها إلى الحياة كما كانت حرة متزنة ومواكبة لتطورات المغرب ومؤازرة لكل خير ومناوئة لكل شر، بل إننا ننتظر أن يقوم في المغرب العربي اتحاد قوي لجمعيات علمائه ورابطاته، فالتطورات السياسية العالمية توجب قيام هذا الاتحاد لمواجهة الأخطار التي تهدد عوامل اتحاد ووحدة الشعب المغاربي، العربي اللسان، المسلم الاعتقاد، المغربي الانتماء والوطن… وفي ذلك سند عظيم للأنظمة المغاربية التي هي في أمس الحاجة لمثل هذه المؤسسات التي لها رصيد عظيم في شعوب المغرب الاسلامي العظيم.
د.عبد السلام الهراس