ناقش الطالب الحسين زروق رسالته للدكتوراه يوم الخميس 28 أبريل 2005 وقد تكونت لجنة المناقشة من الدكاترة عبد الرحيم الرحموني(مشرفا) ، الغواسلي المراكشي، عبد العلي احجيج، محمد المالكي ومحمد الأمين. وقد منحت له اللجنة ميزة مشرف جداً
ومما جاء في التقرير :
- ما موقف الإسلام من الشعر والشعراء؟
لقد أنجزت في هذا الموضوع دراسات ملأت الدنيا وشغلت الناس، وحجبت عن معظم النقاد آفاقا للبحث أكثر فائدة وقيمة وعمقا، ومن تلك الآفاق ما يرسم معالمه هذا السؤال:
- ما تصور الإسلام للشعر؟
وقد تصدى دارسون لموضوع الإسلام والشعر، منهم من عني بجمع النصوص الحديثية كالحافظ عبد الغني المقدسي(600هـ) في كتابه (جزء من أحاديث الشعر)، جمع فيه ثلاثةً وأربعين حديثا، وكأبي الفتح المعروف بابن سيد الناس( 732هـ) في كتابه (منح المدح)، جمع فيهما قاله مائةٌ وأربعةٌ وتسعون من شعراء الصحابة ممن مدح رسول الله (أورثاه).
وجمع الدكتور وليد قصاب في كتابه (نصوص النظرية النقدية عند العرب) ستة وخمسين نصا، كما أورد في كتابه (النظرة النبوية في نقد الشعر) مائةً وثلاثة وثلاثين حديثا، وكان قصده فيه وضع (فهرس الأحاديث والمواقف) التي وقف عليها في دراسته.
وجهود الجمع هذه لها قيمتها من حيث رصدُها للنصوص الحديثية؛ لكن دخلها الخلل من جهة عدم إخضاعها الأحاديثَ للجرح والتعديل، وعدم توثيقها والمقابلة بين رواياتها، فأوردت النص الواحد مرات مع أنه واحد تعددت رواياتُه، فضلا عن ضيق دائرة المصادر التي بحثتْ فيها، ومصطفى عيد وإن قام بجهد في هذا المجال إلا أنه اقتصر فقط على رصد بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة ولم يقابل بين رواياتها.
وهناك فئة عنيت بدراسة علاقة الإسلام بالشعر كالدكتور يحيى الجبوري في (شعر المخضرمين وأثر الإسلامفيه)، والدكتور شوقي ضيف في (العصر الإسلامي)، والدكتور محمد مصطفى هدارة في(الشعر العربي في القرن الأول الهجري)، والدكتور عبد القادر القط في (في الشعر الإسلامي والأموي)، وسلمان بن عبد الرحمن الزهير في (الحركة الأدبية في المدينة المنورة في عهد الرسول والخلفاء الراشدين)…إلخ، كما أننا نجد كتبا عنونت ب(الإسلام والشعر) للدكتور يحيى الجبوري، والدكتور إدريس الناقوري، الدكتور سامي مكي العاني، والدكتورة إخلاص فخري عمارة، والدكتور فايز ترحيني.
إن وفرة الدراسات في الموضوع تُوهم أنه قد قتل بحثا، ولم يترك المتقدم فيه للمتأخر شيئا، غير أن إخضاع تلك الجهود والدراسات للتمحيص والنقد يظهر ثغرات أهمُها:
- ضيق دائرة المصادر التي جُمعت منها أحاديث الشعر والشعراء.
- لا نعرف ما إذا كان سببُ وفرة نصوص الشعر والشعراء الحديثية عائدا إلى تعدد النصوص أم اختلاف الروايات.
- مازلنا في حاجة ماسة إلى جمع ما لم يجمع من النصوص الحديثية.
- تكلم علماء كثيرون عن مجموعة من أحاديث الشعر والشعراء جرحا وتعديلا في كتب الحديث والفقه والتفسير…ولم تُجمع أقوالهم تلك وتصنف لتوضع رهن إشارة الأدباء.
- لا زالت مجموعة من أحاديث الشعر والشعراء دون تخريج خاصة تلك التي أوردتها كتب الأدب والتراجم والأخبار والطبقات.
- لم نقف على أي جهد للمقابلة بين روايات تلك الأحاديث والمقارنة بينها.
ومن الواضح أنه من غير الممكن أن ننجز بحثا علميا عن تصور الإسلام للشعر والشعراء في غياب حل لـ(معضلة النص)، ولا يمكن حل هذه المعضلة في غياب التوثيق، ولا يمكن توثيق أحاديث الشعر والشعراء إلا بإخضاعها لعلم الجرح والتعديل، ولا يتم هذا إلا بجمع النصوص والمقابلة بينها، فقد يتقوى ضعيف بكثرة طرقه، وقد يظهر لنص بدا بغير أصل سندٌ قد يوصله إلى الصحة، …فمدار أمر التوثيق على التخريج للأحاديث والمقابلة بينها حتى إذا ما تحقق ذلك أمكن للباحث أن يدرس موضوعه وقلبُه مطمئن إلى أنه يقف على أرض صلبة، وأنه لم يعد أمامه سوى أن يحسن القطاف، وقد حان ذلك فلم يعد أمامه سوى أن يرى دراسةً ذات أصل ثابت وفرع في السماء.
يضاف إلى ما سبق كونُ القرآن الكريم يمنحنا الجديد كلما جددنا الوسائل وعاودنا النظر فيه، وأن ما يعرف بالأدب الإسلامي وله رابطة وأعضاء ومنابر وأنصار هوفي أمس الحاجة إلى معرفة الأصول لا إلى مجرد التأصيل لموقف إيجابي للإسلام من الشعر، ومعرفة الأصول – فيما يتعلق بالشعر والشعراء- تقتضي الوقوف على ما ورد عنهما في الأصلين: القرآن والسنة. ولتلك الأسباب كلها رأيت أن أدرس الموضوع وأعنون دراستي ب: (نصوص الشعر والشعراء في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف: جمع وتوثيق ودراسة) وحتى تكون دراستي على بصيرة: تسد الثغرات السالفة، وتحل معضلة النص، وتدرس الأصول، رأيت أنتقوم على ثلاث مراحل تؤدي كلُّ واحدة إلى التي تليها:
1- جمع أحاديث الشعر والشعراء وعرضها.
2- توثيق تلك الأحاديث المجموعة جرحا وتعديلا ومقابلة.
3- دراسة آيات الشعر والشعراء وأحاديثهما.
وقد قسمت البحث قسمين كبيرين:
القسم الأول: النصوص، خصصته لنصوص الشعر والشعراء الحديثية، موزعا إياها على سبع قضايا، هي: مفهوم الشعر، ووظيفته، وأغراضه، وسماعه، وإنشاده، ونقده، ثم الموقف منه، ومقسما كل قضية إلى قضايا فرعية، ثم مقسما الفرعية إلى مقبولة ومردودة، وأتبعت النصوص بملحق لـ(مصادر النصوص الحديثية)، ثم فهارس تلك النصوص.
القسم الثاني: الدراسة، قسمته إلى فصلين، خصصت الأول لنصوص الشعر والشعراء القرآنية، وتناولت في مبحثه الأول القضايا العامة لتلك النصوص من حيث الكم، والمكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، والسياق العام والخاص لتلك النصوص. وتناولت في المبحث الثانيالقضايا الأدبيةَ والنقدية في النصوص القرآنية كمفهومِ الشعر، وعلاقته بالقرآن الكريم، والنبوة، والسحر، والكِهانة، وتأثيرِه، وطبقات الشعراء، وختمت الفصل بخلاصة جمعت فيها ما توصلت إليه من نتائج.
وخصصت الفصل الثاني لنصوص الشعر والشعراء الحديثية، تناولت في مبحثه الأول القضايا العامة لتلك النصوص، فدرستها من حيث الكم، والمكي والمدني، وأسباب الورود، والعلاقات، ودرست في مبحثه الثاني القضايا الأدبية والنقدية لتلك النصوص، مركزا على سماع النبي (الشعر من حيث الإنشاد والاستنشاد، وقولِه الشعر من حيث الإنشاد والإنشاء، ونقدِه النظري والتطبيقي، ثم جمعت ما توصلت إليه من نتائج في خلاصة ذيلت بها الفصل.
وقد حقق هذا البحث نتائج أهمها:
>أولا: بلغ عدد النصوص الحديثية المجموعة مائتين وواحدا وخمسين نصا، وقد أثبتُّ أن ثلاثة وسبعين منها مقبولة، ومائةً وثمانين منها مردودة، وذلك دون أخذاختلاف الروايات وتعددها بعين الاعتبار. تضمنت تلك النصوص من الشعراء مائة وواحدا، منها ثلاثة عشر شاعرا انفردت بها النصوص المقبولة، ولم يزد عدد الأبيات التي ذكرت تلك النصوص أن الرسول (سمعها عن مائةٍ وخمسة وخمسين بيتا، بينما بلغ في المردودة خمسَمائةٍ وخمسين بيتا، وقد ضاعت أشعار كثيرة صح أن الرسول (قد سمعها، منها مائةُ بيت أنشدها إياه الشريدُ وحده، فضلا عن أشعار تناشدها الصحابة بحضوره (خلال أكثر من مائة يوم حضرها جابرُ بنُ سَمُرة وشهد عليها، ومثلما ضاعت الأشعار الكثيرة فقد ضاعت أحاديث مجموعة من الشعراء، فمن مجموع مائتين وستة وثمانين شاعرا صحابيا لم أقف سوى على أحاديث ما يقارب ثمانين منهم.
> ثانيا: الشعر كلام مُؤَلّف تجري عليه أحكام الكلام من حيث الحسن والقبح، والأساس في المراعاة هوالمعنى لا المبنى، ويمكن توظيفه في مختلف المجالات والمناسبات لكن دون إطراء في المدح،وفحش في الغزل، وإقذاع في الهجاء، وهجاء المسلمين أوغيرهم ابتداء لا انتصافا من ظلم، وفخر بالحسب والنسب… ودون إفراط فيه، والشعراء – بناء على تلك الضوابط – قسمان راشد تقي، وغاو شقي، وبينهما آخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
> ثالثا: اصطبغت نصوص الشعر والشعراء بمرحلتها التاريخية، فالمكية عنيت بعلاقة الرسالة والرسول بالشعر، ولذلك فهي إما تحكي اتهاما أوتنفيه، وأما المدنية فتحدثت عن الشعر باعتباره يشكل حضورا قويا في المدينة، وعن الشعراء بصيغة الجمع، كما أنها دلت على أن الشعر كان مواكبا للمرحلة في السلم والحرب، والسفر والحضر…، ومن ثم اهتمت بقضايا الشعر من حيث مفهومه وضوابطه ووظيفته…إلخ.
> رابعا: كان العرب يميزون الشعر عن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وهوما تشهد له ثلاثة أحاديث صحيحة لا مجال لردها، إلى جانب تضمن آيات قرآنية ما يؤكد أن الاتهامات ليست سوى مزايدات، فالمتهِمون كانوا يعرفون شعرهم حق المعرفة مثلما كانوا يعرفون سحرهم وكِهانتَهم… ونفي هذا نفي لذاك، ونفي الجميع طعن في معرفة العرب بأشياء من صميم حياتها اليومية. والقرآن الكريم لم يترك وسيلة للتمييز بينه وبين الشعر إلا سلكها بدءا من تحديد صفاته ووظائفه ومُبَلغه وموضوعاته، ومرورا بمصطلحاته، ثم انتهاء بالتحدي.
> خامسا: الشعراء في الإسلام فئتان كبيرتان: غاوية وراشدة، تمد الشياطينُ الأولى بالشعر، وتؤثر في المتلقي بسلوكها طريقَ الغواية، وفنونَ القول، ومخالفةَ الأقوال للأفعال، ومن ثم أشبهت السحرة والكهنة في الانحراف ومصدر التلقي والتأثير…، بينما تستمد الفئة الثانية شعرها من مصدر إلهي، فهي معانةٌ عليه، وتجمع بين صحة العقيدة وسلامة التطبيق وشجاعة الدفاع عن الحق، ثم لا تجعل الشعر همَّها وإن كان في الثناء على الله عز وجل، حتى لا يطغى على أمور أخرى أهم كقراءة القرآن الكريم، لذلك كانت هذه الفئة قلة لكنها في الوقت نفسه (خيرُ البريئة).
> سادسا: سمع الرسول (الشعر واستنشد، وما سمعه يرتبط بالجهاد والرد على المشركين والمدح والهجاء ثم الاعتذار، ومعاني تلك الأشعار شريفة بعيدة عن الفحش والإسفاف…، وقد كان تارة يدعوللشاعر، وأخرى يعبر عن استحسانه لما سمع، وثالثة يكرر بعض ما سمعه، ورابعة يصحح خطأ دون أن ينسف قصيدة بسببه، وخامسة يكتفي بالابتسام. وأَنشدَ الشعر مرات عديدة، وقد أنشد أحيانا شطرا، وأخرى بيتا، وثالثة أكثر من ذلك حسب الحاجة ونسقِ الأبيات، ولم يصح أنه كسر وزن بيت، أوأعطى مالا أوبردة أوغير ذلك لشاعر بسبب شعره، وجميع الأحاديث التي وقفت عليها وتتحدث عن ذلك ضعيفة؛ بل منها ما هو موضوع.
> سابعا: كان الرسول (يدرك قيمة الشعر لذلك وظفه في مناسبات مختلفة، وحدد له ضوابط تمنعه من التسيب، والشعر عنده بمنزلة الكلام، منه حسن وقبيح، وهو وسيلة للجهاد، يحدو به الحداة، ويغنيه المغنون، ويتمثل به المتمثلون، يمكن استعماله في أغراض ومناسبات مختلفة، منه الصادق ومنه دون ذلك، ولا ينبغي الإفراط فيه في المسجد وفي غيره، بل يُعنى به دون تضخيم ولا تقزيم.
> ثامنا: انفردت الأحاديث المردودة بأمور، منها جعلُها إعطاءَ الشعراء سنة نبوية، وإيرادُها لأشعار هواتف الجنان، ولنصوصٍ شعرية على أن الرسول قد سمعها وفيها فحش وإسفاف وعصبية، وتأكيدُها على أن الرسول كان يكسر أوزان الأشعار التي يتمثل بها، وأنه قد مَدَح بعض الشعراء الجاهليين كعنترة، وذم آخرين كامرئ القيس.
اعداد الطالب : الحسين زروق