نعم إن المؤمن وهو يعتصر أَلَما يتساءل عمَّا أصاب هذه الأمة ، يُدنَّسُ المصحف الشريف على أيدي جنود أمريكيين داخل سجن “غوانتانامو”، ويتحرك من يتحرك ويحتج من يحتج، إلا هؤلاء الذين يتكلمون بما بقي من اللسان العربي :
< خرج الشعب الأفغاني في تظاهرات عارمة لأيام متتالية، مباشرة بعد أن أذيع الخبر، وهو يحتج على هذا الفعل الشنيع، ولم يخرج أي شعب آخر… نعم خرج الشعب الأفغاني الجريح بسنوات الحرب الطويلة، والمثقل بكابوس الاحتلال، لم يُكَبِّلْهُ أي شيء من ذلك، وخرجوا محتجين ومعلنين بأنهم مستعدُّون لبذل أرواحهم للدفاع عن كتاب الله ودينه.
< ويوم الجمعة 13/05/05 أعلنت حركة حماس الفلسطينية أنها ستنظم مظاهرة بعد صلاة الجمعة، احتجاجا على تدنيس المصحف الشريف، وتم تنظيم مظاهرة ضخمة في قطاع غزة احتجاجا على هذا الفعل الشنيع.
< وفي نفس اليوم دعا زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان إلى التظاهر، ونُظِّمت فعلا مظاهرة احتجاجا على الاعتداء المهين.
< على مستوى الحكومات، أعلنت بعض وسائل الإعلام أن الحكومة السعودية اتصلت بالأمريكيين تحثهم على فتح تحقيق في الموضوع، وعقاب الفاعلين من الجنود، ثم أُعلن بعد ذلك أن كلاًّ من الحكومتين الباكستانية والإندونيسية طالبتا بفتح تحقيق في الموضوع وإنزال العقاب بالفاعلين الجناة.
ولا شيء غير هذا في العالم الإسلامي إلى حدود كتابة هذه الأسطر!!؟؟، وكأن هذا الحدث بسيط مثله مثل دماء المسلمين التي تسيل كل يوم في كل مكان، وكأن لسان الحال يقول : “للمصحف رب يحميه”.
نعم بالتأكيد لكتاب الله رب يحميه، كما ورد ذلك بالنص : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، ولكن ألا توجد لدى المسلمين غيرة وإيمان ؟؟ ألم تبق لدى المسلمين وحكوماتهم، التي تنص دساتيرها على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، أدنى ذرة من إيمان فتصدر بيانات تشجب فيها الحدث الشنيع، وتدعو إلى إنزال العقاب الرادع بالفاعلين.
لقد كان الأولى بالجميع ممن يوجد في العالم الإسلامي أن يقتدوا أيضا بالمسؤولين الأمريكيين في هذه النقطة، فيعلنون كما أعلنت “كونداليزارايس” وزيرة الخارجية الأمريكية أن تدنيس المصحف أمر بغيض، وأن التحقيق سيفتح في الموضوع، وكما أعلن أيضا أحد المسؤولين الكبار لقناة الجزيرة مساء الخميس 12/05/2005، بأن القرآن الكريم له قداسته ومكانته، ولا يجوز لأَيِّ أحد تدنيسه.
حتى الرئيس الأفغاني كرزاي، قال تعقيبا على المظاهرات التي شهدتها أفغانستان، بأن هذه المظاهرات صورة للديمقراطية في البلاد، وأن كل الفئات تعبر عن رأيها.
فهلا تنادت أيضا حكوماتنا وأحزابنا وجمعياتنا باسم الديمقراطية إلى الاحتجاج، وإعلان ما أعلنه الأمريكيون أنفسهم بأن المصحف له مكانته، وإلى المطالبة بإنزال العقاب بالفاعلين.
صحيحأن المظاهرات لن تغير شيئا من الحدث، في حد ذاته، بالنسبة للأمريكيين على الأقل الذين فتحوا تحقيقا في الموضوع، كما قالوا، ثم أعلنوا بعد ذلك بألا دليل يُثْبِت تدنيس المصحف مِن قِبل جنود أمريكيين في معتقل “كوانتانامو”، شأنهم في ذلك شأن التحقيقات السابقة التي فتحوها في موضوعات كان الشاهد عليها الصورة والصوت، ثم قالوا بأَلاَّ دليل على ذلك… قلت ، صحيح أن المظاهرات لن تغير شيئا بالنسبة للأمريكيين، ولكنها تنبئ على أن ضمير الأمة حي، وأن فعلا شنيعا مثل هذا لا يمكن أن يقبل من المسلمين شعوبا وحكومات، مما يدفع أي معتد على حرمة الدين أن يراجع حساباته قبل أي فعل..
د.عبد الرحيم بلحاج