مبادرة مهمة تلك التي بادرت إليها كتابة الدولة للشباب وتتعلق بإيلاء العناية للكتاب وزمن الكتاب .. والمقهى الأدبي وغير ذلك مما يربط الناشئة والشباب بالقراءة ويعيد إلى هذه الأخيرة أَلَقَها، ويضع العازف عنها على طريق المقروء.
لكن إلى أي حد يمكن أن تسير هذه المبادرة الإيجابية ؟ وأمامها من العوائق ما ينذر بتعثرها أو توقفها، من ذلك تلك السيولة الحاصلة في الاتصال الرقمي، وطغيان ثقافة الصورة واحتلال الانترنيت مساحة هامة من اهتمامات الناس، مع ما يمكنهم من الظفر بالمعلومة في أسرع وقت وبأقل جهد وبأبسط تكلفة، إضافة إلى وسائل ترفيهية كالألعاب الالكترونية التي تستحوذ على اهتمام الأطفال وعلى أوقاتهم، ولربما صرفتهم عن الضروري الضروري من الواجبات كالدراسة، والإقبال على العبادة التي لم يعد لها حضور في البرنامج التربوي لدى الأسر.
ولعل ظاهرة العزوف عنالقراءة ظاهرة قديمة لازمت الناس، وإن كانت قد وجدت لها من الظروف الراهنة ما يحضنها فازدادت تفريخا واستشراء وتفاقما. إذ كيف يُعقَلُ أن يُقْبِلَ شعبٌ على المقروء وشرائحُ عريضة منه فوق سن الأربعين لا تفك رموزه.. ولعل القراءة لن تصبح فعلا إلا بالقدوة والمثل، فأسرة لا يقرأ الكبار فيها لا يمكن أن يقرأ فيها الصغار، كما أن الجهل بقيمة القراءة التي تعني تعميق الحياة وتجديدها وتجديد حياة الأمة، دافع إلى الانصراف عن القراءة، هذا مع انخراط الناس في حاجات حياتية صرفة، وشهوات أرضية جارفة ولهاثهم وراءها خبزا كانت أو مَالاً أو متعةً، إضافة إلى ما يَكْتَنِفُ حياتهم من إحباطات نفسية وانتكاسات ذاتية، بسبب الفقر والبطالة والجهل، وعمق الفوارق بين الفئات الاجتماعية .. كل ذلك يصرف الاهتمام عن طلب الحياة في المقروء إلى طلبها في المادي اليومي والمعيشي، مما يجعل الزمن زمن الخبز بدليلأن كل مُلْتَهَمٍ من وجبات سريعة وفطائر وحلويات ولُمْجَاتٍ، يجد إقبالا ورواجا مما لا يجده كتاب أو مجلة أو جريدة، لأن تغذية البطن لدينا تظل أسبق من تغذية العقل.
لقد تنبهت دول مثل كوريا الجنوبية إلى أن بناء النهضة لا يتم إلا على أساس من التعليم والقراءة، وقبل ذلك بقرون عديدة، كانت الترجمة وخزانات بغداد المنكوبة شاهدا على نهضة المسلمين، ولعل رجلا عبقريا مثل الجاحظ، فهم أن المقروء لا يُطلبُ إلا بالمأكول فباع السمك على شواطئ نهر سيحان ليكتري دكاكين الوراقين يبيت فيها للقراءة والنظر، وإذا كانت مكتبته قد قتلته، فقد أحيته وخلدت ذكره قرونا.
إن المبادرة إلى إحياء زمن الكتاب مبادرة رائدة، وحبذا لو تنبه القيمون عليها إلى التفكير في إنشاء مكتبة عامة بالمجان، في كل حي من أحياء المدن المغربية، ترضي جميع الأذواق، ويملأ فيها الأطفال والناشئة – وحتى الكبار – أوقات فراغهم، بدلالتسكع في الشوارع والجلوس على نواصي الطرقات، واستهلاك الممجوج من مواقع الانترنيت.
إن أمة غير قارئة، لايمكن أن تحيى حياة خالية من الانتكاسات ولا يمكن أن تُعَبِّدَ طريق الحياة الراقية الخالدة، ولكي يصبح للكتاب هذا الحضور لابد أن يدرك الطفل الصغير قيمة الورقة والقلم، ولربما يكونان الهدية اللائقة التي يتلقاها في المواسم والمناسبات الكبرى، بدل أن نُهدِيَهُ دمية (باربي) وبندقية (رعاة البقر).
ذة .امينة المريني