بمناسبة فضيحة الخيرية الإسلامية بالدار البيضاء
الحاج عبد العزيز بناني يقول :
“فساد هذه الخيرية وأمثالها قديم!!”
وقد سألناه عن تجربته في تسيير خيرية ” سيدي البرنوصي ” عمالة عين السبع، فأجاب بما يلي:
“دعاني الحاج محمد السقاط رحمه الله رحمة واسعة لتسيير هذه الخيرية ولا سيما الجانب الاقتصادي، فسألته: هل مهمتي هي تربية الحيوان أم الإنسان، فقال لي: بل الإنسان، فقلت له: إذن لابد من الجانب التربوي الإسلامي، وهكذا بدأت العمل، وقد شعرت أول الأمر أن تكلفة البناء كانت عالية إذ بلغت مليارين ونصفا، والتجهيز نصف مليار، أول ما وفقني الله إليه هو: توفير جو ديني للأطفال -اختيار عناصر تربوية، تتوفر فيها جل شروط الكفاءة المهنية والأخلاقية -توفير الجو الرياضي والترفيهي المناسب -تدبير حسن لشراء التموين وذلك باقتناء اللحم مباشرة من المجزرة، أما السمك والمواد الأخرى فمن جهات وأشخاص يخافون الله ويحرصون على التعامل بالحلال.
ثم عملت على إنشاء مَعْمَلَيْن صغيرين للحدادة والنجارة لسد حاجيات المؤسسة ولتدريب بعض الأطفال الكبار. وكان السبب في إنشاء ذلك أن جهة ما قالت عندما طلبت منها تزويد المؤسسة بأَسِرَّة للأطفال الرضع: إن ثمن الواحدة منها 3600 درهم، فصنعناها بنفس المعايير والمواصفات بـ 360 درهما فقط.
وهكذا عاش الأطفال حياة سليمة من الناحية التربوية والصحية والغذائية والرياضية والتعليمية.
لكنني أديت الثمن باهضا، إذ بدأت محاربتي من المدير التابع للتعاون الوطني الذي كان معززا من السلطة التي كانت تشهد بأن هذه الخيرية هي من فئة فندق خمسة نجوم ومع ذلك لقيت الأمَـرّين منهم، وقد عقدوا لي جلسة مساءلة ومحاسبة ولولا انتمائي للجيش وماضي في المقاومة واستشهادي بأقوال الحسن الثاني رحمه الله وتهديدهم برفع الأمر إليه مباشرة لعلاقتي القريبة به منذ كان وليالعهد، لزج بي في السجون بتهمة: أني أكون خمسمائة إرهابي في هذه المؤسسة الخيرية، والسبب واضح أني كنت أصون أموال الخيرية من النهب والاعتداء والتلاعب، كما تعرض بعض المحسنين لمضايقات من السلطات المحلية إلى درجة أنه استدعاني وقال لي: إن علاقتك بالسلطة المتوترة عرضت بعض مصالحي للخطر، فقلت له: أني مستعد للاستقالة ولن أفرط في حقوق الأطفال ولن أسمح بالتلاعب بأموالهم المخصصة لهم لا لغيرهم …
وقد طلب مني الحاج محمد السقاط أن أساعد الخيرية الإسلامية بعين الشق، واتصلت ببعض المسؤولين بها وحاولت أن أربط لهم علاقات مع ممونين شرفاء، إلا أن هؤلاء الممونين قالوا لي بعد أسابيع إننا غير مستعدين للتعامل مع هذا النوع من الإدارة لأنهم يطلبون منا أن تقدم لهم فواتير مزورة بالزيادة الكاذبة في الأثمان والزيادة الكاذبة في المواد، فرفضنا رفضا تاما …
فهذه الخيرية منذ التسعينيات والفساديعشش فيها، وما أظن أن أمثالها أو على الأقل بعضها بمنأى عن الفساد، فقد شاهدنا مؤسسة للا حسناء للأطفال المتخلى عنهم تعزل إدارتها بأمر ملكي وتسند إلى مديرة فرنسية وأعضاء جدد لإدارتها وجمعيتها وذلك للفساد الكبير الذي كان يستشري في إدارتها.
إن الخيريات لا يمكن أن تنجح إلا إذا تولى أمرها من تتوافر فيه هذه الشروط:
1- الاستقامة وبتعبيرنا نحن: التقوى وخوف الله.
2- الخبرة الناضجة.
3- المساندة من السلطة ولا سيما العمالة والأمن.
4- أن تكون الرقابة الإدارية والمالية دائمة وصارمة وشريفة حتى يشعر المسيرون الذين فيهم استعداد للفساد أنهم مراقبون، وإن كنت أوثر دائما الاعتماد على الرقابة الذاتية بالتقوى وخوف الله.
ولقد تولينا بفاس إنشاء وإدارة مؤسسة تصفية الكُلى بمستشفى الغساني بفاس وعانينا من التدخلات غير المشروعة حتى من بعض البرلمانيين لصالح من تجب عليهم نفقتهم، وكنت صارمافي موقفي غير أن بعض إخواننا الكرام كانوا يرون بعض الليونة … والحق أن الولاية كانت تساندنا مساندة مشكورة.
وإني بهذه المناسبة أهنيء جمعية العمل الاجتماعي والثقافي فرع فاس برئاسة أخينا الشيخ الدكتور محمد أبياط بما تضطلع به من تسيير وتدبير مركز الأطفال المتخلى عنهم الذي أعتبره مثالا يحتذى به في الإدارة والتسيير والنزاهة والاستقامة فقلنا له: لعل ذلك بفضل توافر تلك الشروط المذكورة سابقا، فالإدارة المستقيمة غير كافية ولكن المساندة من الولاية ومن مؤسسة محمد الخامس ومن الأمن والقضاء ومن المحسنين كانت لها أكبر الأثر في هذا النجاح والمستوى.