بنت من صبرا
كلما أحست بوخز في ذراعها الأيمن إلا وهاجمتها الذكريات واقتحمتها الصور التي لم تفقد وضوحها مع مر السنين…
هذه الذراع الجلابة للأحزان والصور كانت تملك ذات يوم كفا بضا طريا يداعب لعبة من قصب مكسوة ثوبا مزركشا يسر نظر صبية المخيم …لم تكن تتخيل أن دعاء أمها لها بسلامة يدها المبدعة لتلك العروس القصبية سيكون آخر عهد لها بها…
تطايرت أشلاء الأم أمامها ومعه كفها الأبيض الجميل …ظلت تجري باكية بين لحم وعظم ودم ؛ تضم عروستها القصبية بيدها اليسرى إلى صدرها الذي تباطأت ضرباته …رأت قبالتها عباءة أمها الممزقة….أطاحت باللعبة أرضا والتقطتها بذعر….اشتمتها….بحثت بين ثقوبها الكثيرة عن أمها….تطل من خلال جيوبها وثقوبها….لم تجد أمها …قلبت بقايا العباءة وقبلتها بل واشتَمَّتْها بعمق….إنها لتجد ريح أمها…تكاد تلمسها…تسمع زفيرها….كأنها بها داخل هذه الأسمال الممزقة…” أينك ماما”..”أينك ماما” صاحت الصبية تستنجد بهذه الخرقة علها تعيد لها أمها الحنون….بكت ورفعت كفها لتمسح دمعها ، فإذا بها تتلقى شلال دم سقى وجهها الدائري البريئ فحوله إلى حمم حمراء تنفث دما سحارا … تراءى لها خيال أمها… أبيها…. إخوتها…. صويحباتها من أطفال مخيم صبرا …. تشتت لديها الرؤية… حجبت سحابة رمادية أفق نظرها….
وفاء الحمري