أظن أن هذه المدونة في وضعها السابق وكذا اللاحق فعلا قد أثارت نقاشا، وأصبح فهم وضع المرأة والأسرة فهما سائرا نحو النضج، وأصبحنا نأمل الكثير في هذا الحوار وأظن أن ما كتب من أطاريح ومن بحوث حول قضية المرأة أصبح الآن تراثا ورصيدا مهما يثري الساحة المغربية.
أريد أن أقف عند قضية المدونات أو الأحكام الفقهية التي كانت تروج في ساحتنا، لا شك أنها قابلة للنظر وإعادة النظر ولكن البعض يربطها فقط بجانب الأعراف والتقاليد وبعض الأحكام الفقهية والفتاوى الشاذة التي تبيح ضرب المرأة. لكن هل كان كل الفقه على هذا النحو؟ أليست هذه مجرد فتوى قد توجد عند بعض الأشخاص أو حتى العشرات من الفقهاء؟
لكن هل الفقه كله في هذا الاتجاه وهل هذا ما يؤطر ثقافتنا الفقهية فعلا؟
أنا أرى في كتب الفقه أن الناس ذهبوا بعيدا في تقدير الضرر،فحينها كان الفقهاء يقولون إن إشاحة الرجل وجهه عن زوجته في الفراش ضرر يحق لها به التطليق، وقد أصل الفقهاء أنه في حالة اشتراطها عليه ألا يتزوج وأن أمر الداخلة بيدها أي هي التي تطلق الزوجة الثانية إذا وقع ذلك. وعندنا وثائق كثيرة في الأندلس من هذا القبيل، سجلت هذا الوضع الذي عاشته المرأة من خلال فقه فعلا كان يقدر الضرر، والضرر في فقهنا الإسلامي كان يُذْهَبُ به بعيدا، أنا أقرأ مثلا في قضية طلب الزوجة أن يجلب لها زوجها خادمة تخدمها، قالوا إنها إن كانت عاشت على ذلك من الخدم فيجب عليه إحضار الخادمة. قال الفقهاء : إذا قال الزوج لا أحضر لك خادمة وإنما أتولى أنا خدمتك في البيت بأن أنظف وأفعل كل شيء. قال الفقهاء، ليس عليها أن تقبل ذلك لأن في هذا معرة عليها لأن النساء يُعَيِّرُنها بأنها تستعمل زوجها وبالتالي فإن لها أن تطلب منه إحضار الخادمة، فإذا اختصما في الخادمة فالقول قول المرأة تختار من يخدمها وليس الزوج هو الذي يفرض عليها، فقضية الضرر باب واسع.
أذكر وضع المرأة عندنا الآن في الصحراء المغربية، لا يمكن الآن عندنا في الصحراء ـ قديما وحديثا ـ أن امرأة تقبل أن تضرب، إذا ضربت فإنها تطلق من زوجها، وإذا أراد مراجعتها فإن لذلك شروطا كثيرة، إلى الآن نعيش بهذه الأعراف، بمعنى أن الفقه الإسلامي يتجاوب مع الأعراف، ولكن الأعراف لا تمثل الفقه الإسلامي في كل الأحوال.
هناك انحرافات فقهية في بعض الأحيان، ولكن مشكلتنا في المدونة القديمة والحديثة إلى الآن أننا لانعرف الفقه الإسلامي، حتى نحن ـ ليس فقط الآخرون ـ لا نعرف الفقه الإسلامي بشساعته، بعض الكتب الفقهية ليست مفهرسة إلى الآن، في الفقه الحنبلي بعض المرات نكتشف أمورا جديدة، ويقال إن الفقه الحنبلي متجدد، في بعض مصادره نقرأ : هل يجوز الوقف والتحبيس على كنائس النصارى؟ عامة الفقهاء يقولونلا، في الفقه الحنبلي يقولون، إذا انقطع بعض الناس للعبادة داخل الكنيسة فيحبس عليهم المسلمون، وهذا في المعنى لابن قدامة. فأنا أقول إننا بحاجة إلى قراءة أخرى لفقهنا الإسلامي.
نعم شاركنا في المدونة، وكنت قد أشرت إلى قضية، هي قضية عدم تزوج من ليس مسجلا في الحالة المدنية، كنت أرى أن هذا تضييق على الشباب وعلى الفتيات إذا جاءت فرصة الزواج فلا ينبغي أن نعقد الموقف بل نحاول أن نلبي حاجة هذا الشباب وأنا أظن، أن المعول الآن على القضاء، والقضاء له مرونة، والمدونة هذه أصبحت الآن تحتذى في جهات كثيرة، أنا أقرأ أن الأزهر الآن في مصر له فتوى أخيرة في قضية الحضانة، وتسوية الذكر بالأنثى في الحضانة، محكمة الأسرة شرع فيها الآن في مصر ونهاية إنجازها هو نهاية 2006، بمعنى هناك امتداد لهذه المدونة، ولكن هناك الأمر الذي نعول عليه، وهو مرونة القضاء ليطبق هذه الأحكام بما يوفر تحقيق مصلحة الأسرة.
(ü) تعقيب قدمه في الجلسة الأولى من ندوة : مدونة الأسرة : الحصيلة والآفاق
د.صطفى بنحمزة