لقد أتى على الأمة الإسلامية حين من الدهر عانت فيه من القهر والتخلف والجهل وغير ذلك من ألوان المعاناة، مما انعكس سلبا على النواة الرئيسية التي يقوم عليها المجتمع، ألا وهي الأسرة وما يربط بين أعضائها من علاقات، فالأسرة إن هي سلمت من التوتر والخلل سلم المجتمع بأسره، وإن هي اختلت اختل المجتمع بكامله، وانضاف إلى ألوان المعاناة المشار إليها ضروب من التحدي التي حاولت زعزعة الاستقرار، وبين هذا وذاك غابت المرأة أو غيبت عن المشهد العام، وتضافرت مجموعة من العوامل السلبية التي أفقدتها دورها المنوط بها في بناء الأسرة وتوجيه الأبناء وتربيتهم باعتبارها المربي الأول، قبل أن يأتي دور الأب باعتباره العنصر الأساس المكمل لدور المرأة، وقد هبت رياح من هنا وهناك أدت إلى زعزعة كيان الأسرة إلى حد ما وانفلات زمام الأبناء من رعاية الأبوين وأتاحت المجال لاستغلال المرأة منذ صغرها واعتبارها سلعة لدى من ماتت ضمائرهم أو تحجرت قلوبهم، فتفشى التناقض بين القيم والمثل من جهة، وبين الواقع المعيش من جهة أخرى، وتعددت التداعيات فأخذ الاعوجاج يستفحل إلى أن اختل البناء أو كاد، وساد سوء الفهم بشأن عدد من القيم والمبادئ كالقوامة ودور كل من الرجل والمرأة، وتراوح الأمر بين الإفراط والتفريط.
وأدى الجهل وسوء الفهم وتفشي الشعوذة إلى حجب المرأة عن نور المعرفة إلا على نطاق محدود، وغاب عنهم أن المرأة المتعلمة أكثر فاعلية وأعمق وعيا بدورها النبيل، وأن العلم ليس مقصورا على الرجل دون النصف الثاني للمجتمع، وفي خضم ذلك الاختلال في المفاهيم والموازين والقيم حامت الشبهات حول شخصية المرأة، ولم يعد التمييز قائما بين مكانتها في الاسلام وبين حياتها الواقعية في المجتمع، ولا بين ما حباها به الله عز وجل من كرامة وحرمة، أما وأختا، وزوجا، وبنتا وبين ما وجدت عليه نفسها أحيانا من حرمان أو إقصاء أو انتقاص أو غير ذلك من الأوضاع المشابهة التي تخلو من البعد عن الحقيقة، وقد ترتب عن هذا الاختلال أو الانفلات شيوع الخرافة والالتجاء إلى الشعوذة لحل عدد من المشاكل، وفي خضم ذلك ضاعت حقيقة المشكل وعمت الفتنة أو كادت، وتعسرت الرؤية بعد أن ضعفت ثقة المرأة بنفسها كإنسان كامل فراحت تبحث عن التعويض حينا، وعن وسائل القوة حينا آخر لتتفوق على الرجل، وبين الأخذ والرد استفحل صراع مصطنع مزيف أو مُدَبَّر.
أما الحقيقة الساطعة التي ينبغي التشبت بها، والسعي إلى تفعيلها وكشف الحجاب عنها وتجليتها والاقتناع والإقناع بها فتتمثل فيما خص به الله عز وجل المرأة من تكريم وتقدير، وما متعها به من حقوق، وما أحاطها به من مظاهر الصيانة وحسن المعاملة وطيب المعاشرة مهما كانت الأحوال، وتبعا لذلك فإن طبيعة العلاقات الأسرية من جهة وطبيعة التعامل مع المرأة من جهة أخرى، تحكمها الضوابط الشرعية أساسا، وليست متروكة للنزوات الذاتية أو الاجتهادات الشخصية النسبية التي تراعي المصلحة الفردية دون أن تعير اهتماما للمصالح الجماعية العامة.
واليوم، والمرأة تصحو مما ران عليها من أعباء أثقلت كاهلها وكبلت قدراتها الإبداعية، وعطلت وظيفتها السامية النبيلة في المجتمع إلى حد ما، يحق لها أن تسترد هذا الحق المغصوب، لتستطيع الوصول إلى ما تطمح إليه من تحقيق الذات، واستعادة الثقة بالنفس، والخروج من شرنقة الخرافة والشعوذة، والتمرد على كل ألوان الاستغلال وباسترجاع حقها تحتمي من كل إساءة أو انتقاص، وعليه تعتمد في اكتساب باقي حقوقها المشروعة وتقوى على أداء واجباتها فيتحقق التوازن الاجتماعي بالفعل، وتكون النساء شقائق الرجال عمليا، ويكون كلا منهما سكنا للآخر ولباسا له، في علاقة تهيمن عليها روح المودة، و الاحترام المتبادل، وتوجهها الاهداف النبيلة التي تحتاج إليها الناشئة التي هي أمل المستقبل.
إن الأمة وهي تستشرف الآفاق المستقبلية لا يمكنها أن تتقدم نحو الأمام إلا بتجاوز سلبيات الماضي والراهن، وتصحيح المسيرة رؤية ومنهجا، والتمسك بمقومات الهوية التي تصون ذاتها وتحدد مكانتها في الكون كما رسختها الشريعة الربانية السمحاء.
د.علي لغزيوي