موقع المرأة في القرآن والسنة
إن القرآن الكريم، يخاطب الذكر والأنثى، فلا يفضل أحدهما على الآخر بحسب خلقته بل بسبب تقواه وعمله الصالح، فالإسلام اعتبر المرأة أهلا للتدين والعبادة والطاعة ودخول الجنة إن أحسنت في ذلك، ومعاقبتها إن أساءت كالرجل، يقول الله تعالى : {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}(النحل : 97).
حينما أشرق نور الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين، وحرر المرأة والرجل معا من العبودية والقهر والتسلط، ودافع عن المرأة أكثر منذ ظهوره على هذه الأرض، فأبعد عنها المآسي والمكاره والأحزان، التي سُلطت عليها في الجاهلية عند العرب وغيرهم كالروم والفرس، ومنحها الأهلية الكاملة في التصرفات المالية، فقد كلف عمر بن الخطاب]، بعض نساء القبائل بمراقبة بعض الأسواق المحلية، مما يدلعلى أن المرأة في صدر الإسلام كانت تشرف على بعض المصالح الاقتصادية في الدولة، كما أعطى الإسلام المرأة حق التملك والإرث والاتجار واختيار شريك حياتها، وكرمها كابنة وزوجة وأم، والنصوص القرآنية والسنية تدل على حمايتها ورعايتها من عبث العابثين، فهي في شرع الإسلام حَرِيَّةٌ بأن تُمنح العطف والحنان والاحترام والشكر، قال الله تعالى عنها بصفتها أماً : {ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وحَمْلُه وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير}(لقمان : 13). وقال : {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}(الأحقاف : 14). وقال : {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}(الإسراء : 23)، وفي حالة كونها زوجة، يقول الله تعالى : {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}(الروم : 24).
ونجد للمرأة في السنة النبوية، مكانا ساميا وموقعا محترما كما هو في القرآن الكريم، فهي تلفها بنوع خاص من العناية والتكريم، فقد خطب رسول الله في المسلمين في حجة الوداع قائلا : “… فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا…” بناء على هذه النصوص وغيرها كثير، يتضح أن المرأة في الإسلام لها شأنها وكرامتها لا يمكن أن تنسخ أو تعدل بآراء واقتراحات بشرية، فتكريم الإسلام لها ومكانتها فيه، عِزٌّ لها بين الناس {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا}(فاطر: 10). فلتنعم المرأة المسلمة بنعمة الإسلام، ولتعمل هي وشقيقها المسلم، على التمسك بالعقيدة ونشرها بين البشر، والعمل على الرفع من قيمة أهلها بما يضمن العيش الكريم لجميع المسلمين تحت مظلة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” بعيدين عن الذل والمهانة.
عمل المرأة
وفي الحديث عن عمل المرأة، يمكن القول إن من حقها أن تعمل خارج البيت إذادعتها الضرورة لذلك، هنا يطرح سؤال : هل في استطاعتها أن توفق بين العمل في البيت والعمل خارجه أم لا؟ الجواب يتضح من خلال ما خصها الله تعالى به في بنيتها، فأعضاؤها أقل صلابة من أعضاء الرجل وعاطفتها أقوى من عاطفته، ولذلك كلفها سبحانه بالعمل الذي لا يحتاج إلى تعب ومشقة، وجعلها تقوم بالتربية التي يحتاج فيها الطفل إلى الحنان والرعاية أكثر من الغلظة، وبشؤون المنزل لما تتوفر عليه من ذوق جميل وبراعة في تنظيم الأثاث ومهارات في الطبخ والتنظيف، كل هذه الخدمات تقدمها لنفسها وزوجها وأولادها، فتحافظ بذلك على كرامة الأسرة المسلمة التي تعتبر الخلية الأساسية لتكوين المجتمع الصالح، بدل أن تخرج إلى العمل الشاق تحت حر الشمس أو قساوة البرد.
لكن إذا فضلت الخروج إلى العمل بعيدا عن البيت لضرورتها، وكان في استطاعتها التوفيق بين العمل فيه والعمل خارجه، فإن ذلك يحتاج منها أن تكون فيمستوى المرأة المسلمة، التي كرمها الله بنور العقل والوعي والنباهة لمواجهة ما قد تتعرض له من سوء، على يد من يريدون المساس بشرفها وإهانة كرامتها، سيما وأن جل المؤسسات وأماكن الشغل والعمل، ملأى بذئاب وحشية في ثياب بشرية، لكن إذا ما كان إيمانها قويا، وخوفها من الله حاضراً في كل وقت، وطبيعتها الشخصية مشبعة بالخلق الحسن فضلا عما تتحلى به من لباس التقوى والوقار، فإن عناية الله تحميها من شر الإنس والجن أينما حلت وارتحلت.
بقي عليها أن تكون واعية في معاملتها مع الناس، جاعلة نصب عينيها القول المشهور : “الناس معادن” فمع الأمناء والصلحاء، تكون معاملتها بالمثل.
وفي نطاق الحديث عن عمل المرأة المسلمة خارج بيتها، أرى كما يرى معي الكثيرون أن هناك من الأعمال ما لا يناسبها بتاتا، كأعمال البناء والحفر تحت الأرض في المناجم والبقاء داخل البحر طويلا قصد الصيد أو التنقيب أو حراسة الحدود، والسفر في الطائرة أو الباخرة كمضيفة أو ربانة خارج الوطن لفترة قد تطول، والمشاركة في الحرب المتأججة في البر أو البحر أو الجو… إن هذه الأعمال لا تليق بشخصية المرأة، بل ينبغي تركها للرجل الذي يقوى عليها بالصبر وتحمل الأذى. نعم كانت المرأة المسلمة تشارك الرجال في الجهاد على عهد رسول الله والصحابة ]، لكن عملها كان محدودا في تضميد الجرحى وسقي العطاش، وقد ثبت ذلك في الصحيح في عدة غزوات، أما خروجها للقتال فلم يثبت في السنة، خلافا لما ورد في كتاب الجهاد للإمام البخاري من أحاديث، قال عنها ابن حجر: لم أر في شيء منها التصريح بأنهن قاتلن،(فتح الباري، 6/51) وذكر الفقهاء بأن العدو إذا داهم بلدة من بلاد المسلمين، وجب على جميع أهلها الخروج لقتاله بما فيهم النساء، ولكن أين نحن الآن من هذا الحكم؟ لا شك أن واقعنا الذي نعيشه يشهد علينا لا لنا في هذه المسألة، فرغم التساهل المفرط الذي يبديه المسلمون مع أعداء الدين في كثير من المجالات، لم يشف غليلهم في شيء حتى يروا الأسرة المسلمة تمزقت وتميعت وانسلخت عن دينها وكرامتها، لأنهم يدركون أن أي مجتمع لا يمكن تخريبه إلا عن طريق الأسرة، ولهذا نراهم جادين وراء تحقيق ذلك، تحت ذريعة حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل وإعطائها الحرية المطلقة في السفر والتجول وحدها، أينما شاءت ومتى شاءت ومع من شاءت…
إن ما يطلبونه لك يا أختاه، ليست حرية ولا حقوقا، لأن الحرية في ظل الإسلام قائمة وموجودة لكل من المرأة والرجل، فالمرأة حرة ذات كرامة وذات مكانة في بيتها راعية لأبنائها متصرفة في أمور زوجها، بانية لأسس صرح أمتها، فالحق كل الحق مع الإسلام، وأعداؤه يعرفون ذلك ولكنهم لا يقوون على التصريح به، لأن ذلك يكلفهم غاليا، فهذا عالم إيرلندي يقول عن الإسلام : في المستقبل العاجل عندما يريد الناس اللجوء إلى الدين الذي يحمي الفضيلة ويقي المجتمع، سيجدون الإسلام هو الدين الوحيد الذي يضمن لهم ذلك.
مساواة في التكاليف
إن الشرع الإسلامي لم يفرق بين المرأة والرجل في العقيدة والعبادات والأحكام… فما أُمر به الرجل أمرت به المرأة، فلا تفاضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، لأن الله تعالى خلقهما من نفس واحدة، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، وكرمهما بأن جعل جسم كل منهما كأجسام الأنبياء والرسل عليهم السلام، تشريفا وتكريما لهما، وأمرهما بما أُمروا به إلا ما كان خاصا بهم صلوات الله عليهم، فالإيمان بوجود الله واليوم الآخر، وبالجزاء والحساب والجنة والنار وغيرها من الغيبيات، لا بد من التصديق بها لكل من المرأة والرجل{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}(البينة : 3).
وأحكام الله بين عباده لا فرق فيها بين الرجل والمرأة، وفي الحديث “النساء شقائق الرجال في الأحكام” إلا ما خص منها بالأسبقية عند تنفيذ الحكم، كجريمة الزنا مثلا {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}(النور : 2).
سئل رسول اللهبأي منهما نبدأ يا رسول الله؟ قال : “ابدؤوا بما بدأت به الآية” ويقاس هذا الحكم في آية السرقة، فيكون البدء بالرجل قبل المرأة إذا شاركته في سرقة ما يبلغ نصاب القطع، {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسب نكالا من الله}(المائدة : 40).
ذ.محمد الصباغ