{ومن يُوقَ شُحّ نفْسه فأولئك هم المفلحون}
البخيل محب مفرط للمال
لا يدخل الجنة في أوائل الداخلين -قد يدخل متأخراً- من كان موصوفا بالبخل، ولا يدخلها كذلك من فيه مكر وهو إنسان خِبُّ ومخادع ومنافق ومتلاعب، ويوقع بين المسلمين، والناس من هذا الضرب كثير، ولا يدخلها كذلك خائن، والخيانة لها أشكال كثيرة.
لا يدخل الجنة بخيل، في أوائل الداخلين، لأن بخله لاشك يكون قد منعه عن القيام بحقوق الله في الدنيا، إذن فهو لا يحرم دخول الجنة لمجرد أنه بخيل، ولكن بخله كان سببا في توقفه وتعطله وانغماسه في كثير من المعاصي، والنبي فسر هذا وقال للصحابة : >إياكم والبخل، فقد أهلك من كان قبلكم حملهم على أن يسفكوا دماءهم، وأن يستحلوا محارمهم<. فالبخل ليس قضية شخصية، إنه طمع وجشع، وارتماء على حقوق الآخرين، لذلك لا ننتظر من البخيل أن يكون إيجابيا أبداً، إنه بلغ به الأمر إلى أن استحل الدماء : هؤلاء الذين يقتلون الأبرياء في الشوارع ماذا تساوي حياة الناس عندهم، عصابات أو جماعات تخرج فتعترض السابل، ، تعترض الذاهبين إلى الصلاة مثلا، أي تقدير لهم لقيمة الإنسان؟، إنهم يضربون ويقتلون ويتهجمون، ولا يبالون بحياة إنسان يقوم بدور اجتماعي كبير، رب أسرة وله أطفال وله.. وله.. وله أشياء كثيرة، كل ذلك يجمع عندهم في أن يأخذوا منه بعض الدريهمات، يقتلونه وقد لا يجدون في جيبه شيئا كثيراً يستحق أن يكون القتل من أجله، إنهم لا يبالون، حبهم للمال جعلهم يفضلون المال على حياة البشر، إنهم لو وسعهم أن يقتلوا البشر جميعا من أجل أن ينالوا الدنيا لفعلوا، إنهم بلغوا الدرجة القصوى في الأنانية وفي حبهم لذواتهم، وصار البشر أمامهم لا يساوي شيئا، هؤلاء الذين يسرقون ويقتلون ويغتصبون ويفعلون هذه الأفاعيل لاشك أن البخل وحب المال كان فيهم شيئا غالبا.
لو أننا استعرضنا هذه المعاصي وهذهالموبقات التي ترونها الآن والتي تزعج البشر الآن وتؤذيهم، لوجدنا أن الباعث عليها غالبا ما يكون حب مفرط للمال. فهذا الذي يتاجر في المخدرات، يحب المال حبا مفرطا ويحب ذاته ويحب نفسه حبا عظيما لدرجة أنه يرى أن مستقبل هؤلاء الشباب الذين يباع لهم المخدر، لا يساوي بالنسبة له شيئا، إنه يبيعهم قطعا من المخدرات فتنقلب حياتهم ويصيرون مدمنين، وقد يضربون رؤوسهم مع الجدران إن هم عدموا المخدر، وتقع لهم أشياء وأشياء. إن أخطر شيء يقع لشاب من الشباب هو أن يقع ضحية مخدر من المخدرات، إن قضية الإدمان قضية حساسة وقضية خطيرة، والمسلمون يجب أن يتنبهوا إليها في أنفسهم وأصدقائهم وأطفالهم لأن هذا الشبح يطارد الناس مطاردة لا نقدر نحن درجتها، أفظع من الخمر وأفظع من أي شيء، لأن الشاب في سن معين يكون ذَانِيّة حسنة، ويعطيه بعض أصدقائه -وهو ربما في المستوى الإعدادي أو الثانوي- شيئا من المخدرات، فإذا به يصير أسير تلك المخدرات، من فعل هذا؟ ومن جلب تلك المخدرات؟ ومن تاجر بها؟ ومن ومن؟ إنهم سلسلة، كلهم كان يعنيهم شيء واحد هو حب المال، لذا يكون البخيل من المؤخرين في دخول الجنة إن كان له طبعا عمل صالح، أما إن لم يكن له عمل صالح فذلك شأن آخر. وقال النبي >لا يجتمع في مؤمن البخل وسوء الخلق< لا يمكن أن يجتمع في مؤمن أمران : البخل وسوء الخلق، إذا اجتمعا فاعلم أن الإنسان بعيد كل البعد عن روح الشريعة الإسلامية وعن توجه الشريعة الإسلامية وعن تربيتها، هذه أشياء كثيرة و دلالات من فعل الرسول تشير إلى أن البخل والشح أمر مستقبح.
الذي لا يعطي لا يستحق السيادة
جاء النبيَّ وفدٌ من العرب، من بني لِحْيان، وسألهم عن سيدهم، قال : من سيدكم؟ قالوا : الجد بن قيس إلا أن فيه بخلا، فقال : >ليس بسيدكم وإنما سيدكم عمرو بن الجموح<، أي مباشرة أزال الرسول هذا الشخص الذي كان يترأسهم ويتزعمهم وقال إنما سيدكم عمروبن الجموح، وكان رجلا كريما، فقد جعله النبي سيداً عليهم في مقابل هذا الشخص، لماذا؟ لأن النبي يريد أن يكون السيد إنسانا أعطى من نفسه حتى يستحق السيادة، إن الذي لا يعطي لا يستحق أن يكون سيد الناس؛ كانت السيادة فيما سبق شيئا أقرب ما تكون إلى الطبيعة، إلى الانتخاب الطبيعي كما كان يسميه علماء الاجتماع، أي حينما تكون هناك مجموعة من الوحوش أو القطعان في الخلاء، فيقودها دائما رئيسها، هذا الرئيس يبقى يقود القطيع والجميع يأتمر بأمره ويخضع له، هو يسير والقطيع يتبعه، ثم ينشأ داخل القطيع عجل حَدَثُ جديد، يحس في نفسه بأنه أصبح قويا، فينبري لذلك الرئيس، ويواجهه فتقع المبارزة بينهما، وينسحب القطيع لا يتدخل، فيتبارز القائد القديم والحدثُ الجديد الطامع في الرئاسة، فإذا غُلِبَ القائدُ القديم فإنه يتراجع ويدخل في الصفوف فيصير هذا الصاعد الجديد قائدً القافلة ويقودها ويمضي بها مدة، حتى يخرج من القطيع فرد جديد فيبارزه فيرده إلى وسط القطيع.
>قائد الخبز والبارود<
ثم صارت القيادة فيما بعد بما يسمى “قائد الخبز والبارود” عندنا في المغرب- أي يكون قائد القبيلة قادراً على الإنفاق حينما تقع مشكلة بين قبيلته وقبيلة أخرى، قادراً على استقبال الضيوف، ولكن في نفس الوقت إذا هُجم على قبيلته لا ينيب أحداً، يكون هو أول من يركب ويكون الناس بعد ذلك من ورائه، فيثبت جدارته إذاً بالبارود وبالخبز كما يقال، ثم جاءت الديمقراطية فلا الخبز والبارود ولا أي شيء، وأصبح التزوير هو الأصل، بمعنى أن هذا الذي أعطى الأمة “الخبز والبارود” لسنوات عديدة، يستحيل فيما بعد أن يعود ويبتلع حقوقها، ولكن الذي تخرج الأمة من تحت الأرض، من تحت الأنقاض، وتعرف به وهو نكرة، ويعطي وعوداً ووعوداً، كيف تطمئن كيف تغامر الأمة كلها كل هذه المغامرة من أجل مشروعه الفاشل، رجل لم يُعْرف عليه الخَيْرُ من قبل أبداً، كان مغموراً، فأخرجناه وزيناه بكل أشكال التجميل للتلبيس على الخلق وقلنا لهم : هذا هو سيدكم وابن سيدكم قوموا فانتخبوه، فما يلبث بعد انتخابه أن ينهب أموال الأمة ويخلف وعوده ويعمل لمصلحته الخاصة أولا وقبل كل شيء، وهذا أمر طبيعي، لأن الانتقاء لم يمر بشكل طبيعي. فمن أثبت بكرمه ومواقفه أنه يستحق يمكن للأمة أن تطمئن إليه، ولكن من كان نكرة فإن الأمة تغامر حينما تسند إليه مثل هذه الأمور. قيل تُحدث مع رسول الله في شأن امرأة، ومدحت امرأة وقيل للنبي إنها امرأة صوامة وقوامة وفيها خير كثير إلا أنها بخيلة، فقال عليه الصلاة والسلام : وأي خير فيها إذن؟!.
د.مصطفى بنحمزة