تعريف الرشوة في اللغة
قال ابن منظور في لسان العرب : “الرشوة والرشاوي : المحاباة. إلى قوله : وهي : الجعل وجمعها “رُشَى” بضم المهملة.
وقال ابن الأثير في النهاية : الرِّشوة والرَّشوة. بالفتح وبالكسر. الواصلة إلى الحاجة بالمصانعة.. إلى قوله : فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي : الآخذ والرائش : الذي يسعى بينهما، يستزيد لهذا وينتقص لهذا”.
وقال(الفيروز آبادي) في القاموس : “الرشوة”. جمع (رُشا ورِشا) بضم المهملة وبكسرها”.
من ابتدع الرشوة؟
تدل النصوص القرآنية على أن اليهود هم أول من ابتدعها وأنشأها.
يقول تبارك وتعالى : {وترى كثيرا منهم يسارعون في الاِثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاِثم وأكلهم السحت لبيس ما كانوا يصنعون}(المائدة : 62- 63).
ويقول تعالى : {سماعون للكذب أكالون للسحت}(المائدة : 42).
قال المفسرون : السحت هي الرشوة. وقال بعضهم : هو كل كسب حرام. وقد امتدت الرشوة حتى أخذها وتعامل بها المنافقون، وصارت من مميزاتهم الخبيثة، وصفاتهم الذميمة، وفاقوا اليهود في التعامل بها ومصداق ذلك قوله تعالى : {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا}(النساء : 60)
وهذه الآية نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك عندما تخاصم يهودي ومنافق ولما بدأ التحاكم والتداعي بينهما قال اليهودي : هيا بنا إلى محمد وما ذاك إلا لعلمه أن محمدا لا يأخذ الرشوة، غير أن المنافق قال : لا . بل نتحاكم إلى اليهود لعلمه هو أنهم يأخذون الرشوة، بل وسيمكنونه مما يصبو إليه.
ونستخلص من هذه الآية، كيف أن اليهودي يصر على المحاكمة على يد الرسول ولماذا؟ لأن محمدا سيمكنه من حقه. أما المنافق فلا يرغب في التحاكم إلا إلى اليهود، لعلمه أنه سيحصل على مال غيره بالباطل، بـ”الرشوة”.
وهذا دليل واضح على أن الرشوة من أعمال ومن صفات اليهود والمنافقين.
أنواع الكسب في الإسلام
الكسب في الإسلام نوعان :
كسب مشروع وهو ما يكسب بالطريق التي أباحها الله، وكسب غير مشروع، وهو ما يكسب بالطريق التي حرمها الله، ومن هذا النوع الرشوة، لأن الرشوة كسب غير مشروع، فهي جريمة تعد من الأمراض الاجتماعية التي تهدد المجتمع، فلا يأمن أفراده على مصلحتهم وإنما يكونون في قلق وضيق. والرشوة كما حددها علماؤنا تعني المال الذي يعطيه إنسان لآخر من أجل إعانته على باطل، ومن هنا رأوا أن الرشوة لا تجوز مستدلين بالآيات السابقة وبقوله “ما من قوم يظهر بينهم الربا إلا أخذوا بالسنين، وما من قوم تظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب..، بل لقد لعن رسول الله “الراشي والمرتشي والرائش” كما في مسند الإمام أحمد وغيره، كلهم ملعونون على لسان محمد ، وما أفسد مجتمعاتنا شيء كهذه الرشوة. الرشوة تفسد كل شيء، تجعل كل شيء لا يمكن أن يتم إلابالدفع، قال الشاعر :
إذا كنت في حاجة مرسلا
وأنت لها كلف معكم
فأرسل حكيما ولا توصه
وذاك الحكيم و الدرهم
حكم الرشوة في الإسلام
وهكذا حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة للحكام وأعوانهم، كما حرم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم، وحَظر على غيرهم أن يتوسطوا بين الآخذين والدافعين. قال تعالى : {ولا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدْلُوا بها إلى الحكام لتاكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون}(البقرة : 188),
وبعث رسول الله عبد الله بن رواحة إلى اليهود ليُقدِّر ما يجب عليهم في نخيلهم من خراج، فعرضوا عليه شيئا من المال يبذلونه له، فقال لهم : “فأما ما عرضتم علي من الرشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها<(رواه الإمام مالك).
خطورة الرشوة على المجتمع
ولا غرابة في تحريم الاسلام للرشوة، وتشديده على كل من اشترك فيها، فإن شيوعها في مجتمع شيوع للفساد والظلم، من حكم بغير الحق، أو امتناع عن الحكم بالحق، وتقديم من يستحق التأخير، وتأخير من يستحق التقديم، وشيوع روح النفعية في المجتمع لا روح الواجب.
الرشوة مرض خطير على الإنسان، بل هي سرطان خبيث ينخر كيان المجتمع.
وللرشوة مساوئ عديدة، وآثار ضارة كثيرة نجملها فيما يلي :
1- الرشوة سبب لقطع الحق من صاحبه، وإيصاله إلى غيره الذي لا يستحقه.
2- الرشوة ترغم صاحب الحق أحيانا أن يدفع شيئا من ماله حتى يدرك حقه.
3- الرشوة تدعو إلى الاتكالية، إذ أن الذي يأخذها يميل إلى الاتكال وسرقة أموال الآخرين.
4- الرشوة سبب لنشر البغض والحقد، وكذلك نشر الفوضى وهضم الحقوق. وغير خاف أن الرشوة أخطر الأدواء التي تصيب حياة الأفراد، فلا تُؤدى الأعمال على النحو الواجب، وهي تنشر أنواع الفساد.
الرشوة والهدية
والاسلام يحرم الرشوة في أي صورة كانت، وبأي اسم سميت فتسميتها باسم “الهدية” لا يخرجها من دائرة الحرام إلى الحلال.
وفي الحديث “من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا “منحناه راتبا” فما أخذه بعد ذلك فهو غلول” أبو داود.
وهُدِيََ إلى عمر بن عبد العزيز هدية ـ وهو خليفة ـ فردها فقيل له “كان رسول الله يقبل الهدية” قال: “كان ذلك له هدية، وهو لنا رشوة”.
وبعث الرسول واليا يجمع صدقات “الأزد” -قبيلة- فلما جاء إلى الرسول أمسك بعض ما معه، وقال : “هذا لكم وهذا لي هدية” فغضب النبي وقال : “ألا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا؟” أو كما .
ثم قال : ما لي أستعمل الرجل منكم فيقول : هذا لكم وهذا لي هدية؟ ألا جلس في بيت أمه ليهدى له. والذي نفسي بيده لا يأخذ أحدكم منه شيئا بغير حق إلا أتى الله بحمله ـ يعني يوم القيامة ـ فلا يأتين أحدكم يوم القيامة ببعير له رغاء أو بقرة لها خوار…” ثم رفع يديه حتى رُئِيَ بياض ابطيه ثم قال : “اللهم هل بلغت”.
وقد ورد ذكر الهدية في القرآن الكريم في سورة النمل، فيما أخبر به سبحانه من أمر”بلقيس” ملكة (سبأ) باليمن، وذلك عندما أتاها خطاب سليمان (عليه السلام) وأرادت أن تعرف من أمر سليمان، فأخبر سبحانه بقولها : {وإني مرسلة إليهم بهدية}(النمل : 35)، لعلمها أنه إذا كان سلطانا من سلاطين الدنيا فإنه سيقبل الهدية، وإن كان نبيا فإنه لا، ولن يقبل ذلك، وقد كانت هديتها لبنة من الذهب، فلما قدمت إلى سليمان من بلقيس جعلها تحت الدواب لتبول وتروث عليها، فصغر ذلك في عين الرسل الذين أتوا بها، وألزمهم سليمان بإعادتها إلى ملكتهم، فلما أتوها وأخبروها بما فعل سليمان عرفت أنه نبي واهتز عرشها من هيبته.
وعن أبي أمامة ّ] قال : قال رسول الله : >منيشفع لأخيه شفاعة فأهدي له هدية فقبلها منه فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا<(أبو داود).
بعد هذه النصوص أي إسلام يدعي هؤلاء سواء كانوا ذوي مناصب سلطانية أو قضائية.
هل قرأوا قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول}(الأنفال : 27),
ذ.عمر فارس