بجرة قلم.. دق ناقوس الخطر.. ليقلب كثيرا من القيم التربوية رأسا على عقب.. اليوم ونحن في مطلع سنة جديدة، وبعد أن مرت ثلاثة أشهر ونصف على بداية الموسم الدراسي.. ما زال تلاميذ الصف الثاني اعدادي ثانوي -مثلا- لم يتلقوا سوى درسين في مكون التعبير، تمددا وطالا بقدرة قادر وبإرادات معلومة أومجهولة.. درسان تمددا وتمططا خلال ثمان حصص لا تسمن ولا تغني من جوع.. وثلاثة دروس في مادة التطبيق حيث تجمع قاعدتان في حصة واحدة ما تكاد تمسك بخيوط الدرس الثاني حتى يشرد التلاميذ عن الدرس الأول الذي لا يتذكرونه إلا بصعوبة.. ودرسان في مكون المحفوظات هذا مع ما يصيب المدرس من نصب وهويرقع فتق جدول الحصص الأربع المقررة في مادة اللغة العربية خلال الأسبوع الواحد.. تمشيا مع ما تمليه شبكة المؤلفين (البارعين) حتى إذا طرأ طارىء من اجتماع أوغيره.. وجدت الرتق قد فتقووجدت المدرس حائرا في جمع هذا الشتات الغريب.. أربع حصص يتيمات أيها الناس، يتلقى خلالها أبناؤكم وفلذات أكبادكم لغة من أسمى اللغات ونريد أن نعلمهم مبادىء الدين وسنة رسول الله وأخلاق السلف الصالح وحكم الفضلاء ومواقف الصالحين. ودرر الشعر وجواهر النثر.. وحتى حداثة الحداثيين المعتدلين. أربع حصص يتيمات بقيت للغة العربية اقتطع – على حسابها وقت للموسيقى وللانجليزية ولربما يقتطع من الأربع الباقيات وقت آخر للرقص والغناء.. على حساب مستقبل الأبناء.. من يدري أي مصير ينتظر اللغة العربية ولصالح من هذه الرؤى التربوية الغامضة التي تلوح بخطة مبيتة لهدم معقل الضاد وتمرير مخطط الهيمنة.. أيها الناس اسألونا نحن – مدرسي العربية- عن محنة اللغة العربية والحصص الأربع، إنها محنتكم ومحنة أبنائكم.. محنة نكتوي بها ونحن نرى الأبناء الذين طبق في حقهم هذا القرار ينتقلون من السنة الأولىإلى الثانية وهم يكتبون كما يفكرون باللهجة الدارجة.. صحيح أنه لم يخل جيل مضى من هذه الظاهرة.. ولكن الأمر استفحل وعم بين التلاميذ حتى بدا الضعف في مستواهم بينا واضحا مقلقا مبكيا وموجعا ولطالما طمعنا في عهود زاهرة إلى أن تصبح الحصص الست سبعا.. ولكن هيهات.
فمن يكتوي بهذا القرار التربوي الجائر غير المسحوقين من الشعب من العاطلين والمياومين والموظفين والتجار البسطاء والشرفاء أولئك الذين تقصر أيديهم عن أن تمد إلى مال حرام؟.
بل أولئك لن يستيطعوا تدريس أبنائهم في مدارس خاصة.. فإن كابدوا وكابروا اقتطعوا المصاريف من قوت يومهم ومن ملبسهم ومن عطلهم ونزههم ومن استشفائهم حتى ينقذوا أبناءهم من جحيم تردي المستويات..
ما آخرون ومنهم مطرزوالقرارات ومنمنموها.. فالامر لا يعنيهم.. لأن أيديهم تطال نفقات تمدرس أبنائهم وإن فاقت ألفين وخمسمائة درهم للشهر الواحد.
إن.. الفئات العريضة من الشعب المغلوب على أمره تظل بين خيارين أحلاهما مر فإما أن تدرس أبناءها بالمدارس العمومية على واقعها المزري.. وتقبل بالنقص الخطير في مادة اللغة العربية وهونقص يهدد مستقبل الأبناء ويقضي قضاء مبرما على لغة الضاد بل يبيدها، وإما أن تدرسهم في المدارس الخاصة وهوأمر يفوق طاقتها وإمكانياتها.
ويعلم الله بعد كل هذا أي مستقبل ينتظر هذه اللغة الجميلة المضطهدة والنوايا الخفية التي تقف وراء ركام تربوي غير واضح المعالم.
إنه مضحك ومبك في نفس الآن واقع المتعلمين بالمغرب، إذ ترصد ميزانيات لترميم المؤسسات فتطلى الجدران بطلاء باهت وتبقى الندوب والشروخ شاهدة على إخلاص كبير في ترشيد النفقات. أما التجهيزات فحدث ولا حرج.. مشهد مثير وأنت ترى التلاميذ يتراكضون بين الأقسام بطاولات بعد أن أغاروا عليها من قسم آخر ليضمنوا حقهم في الجلوس ومتابعة الدرس ويحرموا تلاميذ آخرين منه !
الأمر المثير أيضا هوالنقص البيِّن في الأعوان مع ما يترتب عن ذلك من تراكم الأزبال والنفايات، وفوضى الدخول والخروج.. فوضى قد تضطر العاملين في المؤسسات إلى أن يبحثوا عن حارس خاص يراقب سلامتهم البدنية.
فله الله هذا الشعب الرائع الكادح القابع بين المطرقة والسندان وتحت منظومات تربوية محبوكة تنذر بالفشل الذريع.
ولنا الله نحن- أساتذة اللغة العربية- فحالنا أشبه بحال خياط أرغمه شخص “متوازن عقليا”… على تفصيل عشرة قمصان من متر واحد من الثوب.. ما رأيكم أيها السادة ؟.
ذة.امينة المريني