كل عام وأنتم…
… تمضي الشهور والأعوام والأحقاب كئيبة رتيبة مملة.
تمضي هكذا لأنها مثقلة ومثخنة بالهموم والمآسي والآلام، والتي ما طاب لها المقام إلا بين ظهراني هذه الأمة المنكوبة المهانة دون العالمين، وقد كانت في وقت من الأوقات {خير أمة أخرجت للناس} وما تزال كذلك لكن مع وقف التنفيذ إلى أن تستوفي شروط الخيرية.
وفي انتظار ذلك اليوم السعيد تبقى الأمة هي الأمة التي لا تتحرك ولا تتململ حتى أضحت لفرط هوانها وتخلفها مأدبة سائغة للآكلين اللئام، فالكل يطمع فيها وهي لا تكاد ترد يداً لفرط ضعفها وهوانها على الناس.
تتقدم الأمم والشعوب وتتوحد من حولنا، ونحن في نفس المكان والمستنقع الآسن لا نبرحه ولا يبرحنا، وكل عام يأتي يُسلمنا إلى الذي يليه ونحن أضعف حالا وأكسر جناحا، ولا نكاد نرى بصيص أمل في ليلنا الدامس، مكبلين إلى الأذقان في سلسلة ذرعها السماوات والأرض من الذل والهوان والبؤس المادي والمعنوي. ليل دامس كثيف السواد، اللهم إلا من بعض الإضاءات هنا وهناك ترجع بعض الدفء والأمل والحيوية الباهتة إلى جسد هذه الأمة، وقد ذبل عظمه واصفرت سحنته وعلاه الهوان واليأس إلا من رحمة الله.
كل شيء في حياتنا أصابه الوهن حتى أضحى الوهن وأكثر حضورا في أوطاننا، وعزت الابتسامة الطيبة على الوجوه بعدما استعاضت عنها بالتجهم والبؤس.
فأينما حللت أو ارتحلت لا تكاد ترى سوى وجوه متجهمة بائسة حتى أضحى البؤس والتشكي هواية عندنا يمارسها كل واحد حتى وإن لم يكن عنده سبب لذل مخافة أن يُتهم با لهناء وراحة البال…
فأوطاننا، أو ما تبقى منها، مُزقت كل ممزق، ومالم يُحتل منها فقد انحل بأصناف الفساد والتعفن والتشرذم والحزازات والصراعات الفارغة بين مكونات المجتمع الواحد، صراعات وحزازات لا تزيد الأمة إلا ضعفا وهوانا وارتهانا للطامعين، وإضعافا للحكام والسلطات المحليةمما يزيدها ضعفا على ضعفها، وقد ترتمي مُرغمة في أحضان الطامعين والأعداء، وحفاظا على مكتسباتها وقد تُساير كل ما يشيرون به عليها من وسائل وبرامج وقائية وتعاون أمني وغير ذلك، مما يصب في نهاية المطاف في حساباتهم هم، وفي المقابل تخسر الأمة ويُنتف ما بقي من ريشها حكاما ومحكومين والناس أجمعين، فلا حكاما بقوا آمنين مطمئنين على كراسيهم ولا شعوبا عاشت آمنة مطمئنة على حياتها وحياة أبنائها الذين أصبحوا بين يائس ومُحبط، وجد ضالته في اللهو ومخدرات رخيصة قد تنسيه بعضا من عجزه وهوانه. وبين غريق في أعماق بحر لجِّي لم يصل كغيره بعد لجنات خلد كانوا بها يوعدون، وبين طالب علم مجد مجتهد أوصدت في وجهه العديد من الأبواب ما طرق منها وما لم يطرق، فخاب ظنه فانخرط مع المنخرطين في اعتصامات واحتجاجات، فخرطت عِصي قوات مكافحة الشعب ظهره.
أما بلادنا، فعراق محتل ممزق تنشط فيه جميع البلاوي والمصائب، ويقتل ويسحل يوميا من أبنائها ما لم يقتل طيلة ثلاثة عقود من الحكم القهري الذي جاء به الأمريكان لتخليصهم منه فما زادوهم إلا رهقا. دور تهدم ونساء تُغتصب وطفولة تذبح وعلماء يسحلون ويقتلون، ومساجين يهانون في سجون أم الديموقراطيات.
وأمام هذا رأي عام ومنظمات حقوق الإنسان، وحتى الحيوان، واجم صامت لا يتكلم وكأن على الرؤوس الطيور، ومع هذا وذاك فوضى عارمة وتخريب ودمار شامل.
كل هذا في ظل أجواء هشة وخيانة وعمالة وتآمر على أبناء الوطن ودسائس ما عرف لها التاريخ مثيلا.
ولا أحد يدري حقيقة ما يجري وإلى الله المشتكى.
ذ.عبد القادر لوكيلي