تمتاز طائفة الشيعة منذ الثورة الخمينية بالوحدة في السياسة والمذهب والمرجعية، ومن ذكاء الخميني زعيم هذه الطائفة في العصر الحاضر ابتكاره ولاية الفقيه النائب عن الإمام الغائب، وهكذا أصبح للشيعة “إمام” فقيه يقوم مقام المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري المختفي في غاره، الذي ما تزال الشيعة الإمامية تلح عليه أن يخرج ليملأ الدنيا عدلا بعد ما ملئت ظلما، وهكذا تكونت في العالم الشيعي “بابوية” مذهبية دينية وسياسية مقرها إيران يترأسها فقيه يجمع بين السلطة الدينية والسياسية ويعتبر فوق رئيس الجمهورية، ولهذه السلطة مجالس من علماء وغيرهم بل لها جيشها الخاص، ويمتد نفوذها إلى حيث يوجد العنصر الشيعي سواء في البلاد العربية أو الإسلامية أو غيرهما، ومما تشمل أدريبجان، باكستان، أفغانستان ( هراة )، العراق، سوريا، لبنان، السعودية، الكويت، البحرين، والجاليات الكثيرة المنتشرة في العالم. وبالرغم من أن الشيعة لا تصل %7 من العالم الإسلامي فإنها تمثل أقوى تكتل إسلامي موحد منضبط ذي أهداف واضحة معززة بقوة المال والبشر خال من التناقضات والصراعات الداخلية، لذلك فإن العالم يحسب لإيران حيث مركز القيادة الشيعية ألف حساب.
أما ما يطلق عليه بالسنة أو بأهل السنة والجماعة فيمتاز بالفرقة والخلاف والتشتت والصراع بين الدول السنية حتى تلك الدول الصغيرة التي رضيت بحكم الأمريكان سيدا وبالتنازع مع أخواتها مبدأً وبالتيه منهاجا، وما تزال حتى المذاهب الفقهية السنية والكلامية تتصارع فيما بينها كما كانت أيام بغداد بين الحنفية والحنبلية والشافعية والمالكية التي استؤصلت من تلك الديار وبين الأشاعرة والسلفية التي تصل إلى حد النبز بالمجسمة وبالمشبهة وبالتكفير والتفسيق. وما زال المسلم العادي يوصم بالكفر من أخيه السني ويُعتبَر الأشاعرة كفارا في الماضي والحاضر من إخوانهم السنيين الذين يقولون هذا جهارا، ويكفرون من يعتقد أن تارك الصلاة غير كافر كما يذهب لذلك جمهور أهل السنة والجماعة، وما زال هذا العالَم السني يختلف حتى في المطالع، فلِكُلٍّ رؤيتُه، وهكذا نشاهد العيد الواحد أصبح في عالم السنة والجماعة عيدين بل ثلاثة أعياد، والأدهى من ذلك أن يتعدد العيد حتى بين الأقليات الإسلامية في بلاد الغرب، بل حتى في الدار الواحدة بين الآباء والأبناء.ومن أعجب وأغرب ما يقع كل رمضان وكل عيد أن يصوم أو يفطر أو يعيد مسجد واحد أو مسجدان تبعا لإعلان ثبوت الرؤية في بلد يبتعد عن بلد هذا المسجد بثمان ساعات في حين تُعَيِّدَ البلد كلها بناء على رؤيتها الخاصة انسجاما مع القارة كلها!! إن عالم السنة والجماعة يمتاز بكثرة الباباوات وفوضى الـمرجعيات الدينية عكس إخوانهم الشيعة الذين سيحتفلون هذه الأيامبعاشوراء ليردد عوامهم بأصواتهم سرا وعلانية ما يحزن أهل السنة والجماعة وما كان يثير الفتن والتقاتل في بغداد وغيرها في الماضي مما جعل ابن كثير يقول في هؤلاء العوام من الطرفين:” إنهم قليلو العقل والدين”.
أما الفتن والصراعات داخل كل دولة فيكفي الصومال والجزائر وأفغانستان أمثلة حية لذلك، وأما الدول الأخرى فقد دخلت بعد 2001/09/11 في دوامة فتنة مكافحة الإرهاب حتى البلاد التي كانت إلى عهد قريب تنعم وتفتخر بالأمن والاستقرار والسلامة، ويبدو أن هناك بلادا أخرى مرشحة لتنضم إلى قافلة الفتن، ولسنا ندري متى تنتهي هذه المصائب وتلك الصراعات التي تدل على أن عالم السنة والجماعة ما يزال مستعدا للاستعمار وفيه قابلية جامحة ونشيطة ليساق من خارجه..
كما يمتاز عالم السنة والجماعة بالابتعاد شيئا فشيئا وظاهرا وباطنا عما تقتضيه السنة والجماعة من الاحتكام إلى شرع الله والرجوع في تربيتهوثقافته وحياته إلى مصادر دينه من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتراثه السني العظيم، في حين يفتح حدوده وأبوابه وبواطنه وظواهره للغزو الخارجي وأوامره الصارمة لتطبيق ما يطلب منه وفق التعاليم الجديدة للنبي الجديد الذي أوحي إليه بأن يقود العالم ويقضي على الإسلام…
إن عالم السنة والجماعة يعيش في محنة وطوام وضعف وهزال وتقلص، ويعاني نشاطا كبيرا في ميادين الفتن والهرج والتحاسد والتباغض والتنافس على الانتحار والاقتتال والمماكرة والمكايدة والمخادعة … ومع ذلك يحتفل هذا العالم كله في يوم واحد..!! بالعام الهجري الجديد…!!
ورحم الله المتنبي إذ يخاطب هذه الأمة في وقته قائلا: ” يا أمة ضحكت من جهلها الأمم “.
د.عبد السلام الهراس