نام الأطفال، وهدأ الجو، وخيم السكون، وأرخى الليل سدوله، وحان وقت…. النوم.
- لا، ليس وقت النوم، بل حان الآن وقت الموعد.
- عن أي موعد تتحدثين؟
- لا تضيعي الوقت، يجب أن تكوني في كامل زينتك قبل الموعد.
لا بأس، هناك متسع لوضع اللمسات الأخيرة.
تنفسي عميقا، واقذفي خارجا بكل عُجب وكل شحناء !
هيا، نظفي فمك بالاستغفار، وطيبي أطرافك بماء الوضوء، وطهري جوارحك مما علق بها من نكت سوداء، ثم ارتدي فستان التقوى وضعي فوق رأسك غطاء الحياء، وكحلي عينيك بالرجاء، انثري فوق صدرك أريج الإخلاص، ادَّهِنِي بنور الحب، وافترشي الرضا والإقبال بشغف على هذا الموعد.
هيا استقبلي القبلة، ارفعي يديك وأرسلي لسانك بصوت ندي يسري في أعماقك منبها : الله أكبر، نعم، الله أكبر. ها هو قد أقبل عليك سبحانه بوجهه الكريم.
ماذا أعددت لهذا اللقاء؟ كم من عذر؟ كم من شكر؟ كم من سؤال؟كم من خوف؟ كم من رجاء؟
يالعظمة اللقاء ويالها من لحظات روحانية نورانية تذوب فيها الكلمات وتنساب فيها العبرات ويضطرب اللسان فيها، ويخونه التعبير عنها وتتحول المناجاة فيها إلى خفقان القلب وارتعاش الجسم وفيضان العين، وهناك ما هناك، وما أدراك ما هناك؟
فليس يذوق حلاوة ما هناك إلا من اختير ليكون هناك، وأنت ما ذا دهاك؟ أنسيت فرصة الموقف؟
هيا ارفعي يديك للمولى عز وجل، اسأليه ما بدا لك، لا تترددي، هيا ابدئي، اسبحي في دعائك كيف شئت، إنك تقتربين، تقتربين، واصلي، هيا استمري،…
تريدين أكثر من هذا، اسجدي إذن، واقتربي، خاطبي ربك، إنه يسمعك، ناجيه، تذللي له، اخضعي في قولك، بللي سجدتك وارويها بدموع ساخنة تطبع توبتك وتذيب ذنوبك.
اعرجي بتوسلاتك، وامخري بتسبيحاتك عباب السماء.
اذرفي، اذرفي الدموع من خشية الله، ادعيه بأسمائه الحسنى، اسأليه الثبات على الحق، اسأليه الإخلاص، اسأليه أن يفرج كربات المسلمين، واسأليه الدوام على هذا الموعد والحرص عليه.
هيه، ألم تنتهي بعد؟ لقد وقفت طويلا، وأطل موعد صلاة الفجر، ولم ترو ظمأك بعد.
يالحرارة اللقاء، وياللشوق الغامر للقاء آخر.
إيه ! ما أغبانا وما أحقرنا ! بل ما أتعسنا ! إذ نغفل عن هذا الموعد !.
أينزل ربنا سبحانه ويمد يديه بالرحمة والمغفرة ونحن نائمون؟ ! أينادي جل وعلا : هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من… هل من؟ فهل استغنينا عنه؟
كلا يارب كلا، آن الآن أن نصحو، آن الآن أن نهب لندائك، ونسعد بلقائك ونسرع لدعائك.
ذة.زينب أبياط