مولده ونشأته
ولد سلمان الفارسي رضي الله عنه بقرية يقال لها (جيان) تقع في أصبهان، وأصبهان مدينة في جمهورية إيران الحالية، تقع بين طهران وشيراز.
ترك سلمان رضي الله عنه فارس وهاجر يبحث عن الرسول بمجرد أن علم بمبعثه ليعتنق الإسلام .
يروى عن سلمان ] أنه قص قصته فقال: ” كنت فتى فارسيًا من أهل أصبهان من قرية يقال لها (جيان)، وكان أبي دهقان القرية (أي رئيسها) وأغنى أهلها غنى، وأعلاهم منزلة، وكنت أحب خلق الله إليه منذ ولدت، ثم ما زال حبه لي يشتد ويزداد على الأيام حتى حبسني في البيت خشية لي كما تحبس الفتيات. وقد اجتهدت في المجوسية حتى غدوت قيم النار التي كنا نعبدها، وأنيط بي أمر إضرامها حتى لا تخبو ساعة من ليل أو نهار. وكان لأبي ضيعة عظيمة تدر علينا غلة كبيرة، وكان أبي يقوم عليها، ويجني غلتها.
وفي ذات مرة شغله عن الذهاب إلى القرية شاغل، فقال: يابني إني قد شغلت عن الضيعة بما ترى، فاذهب إليها وتول اليوم عني شأنها. فخرجت أقصد ضيعتنا، وفيما أنا في بعض الطريق مررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون فلفت ذلك انتباهي، ولم أكن أعرف شيئًا من أمر النصارى أو أمر غيرهم من أصحاب الأديان لطول ما حجبني أبي عن الناس في بيتنا، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم لأنظر ما يصنعون.
فلما تأملتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في دينهم وقلت: والله هذا خير من الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ولم أذهب إلى ضيعة أبي، ثم إني سألتهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: في بلاد الشام.
ولما أقبل الليل عدت إلى بيتنا فتلقاني أبي يسألني عما صنعت، فقلت: يا أبتي إني مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، وما زلت عندهم حتى غربت الشمس. فذعر أبي مما صنعت وقال: أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه.
قلت: كلا والله إن دينهم لخير من ديننا. فخاف أبي مما أقول وخشي أن أرتد عن ديني، وحبسني بالبيت، ووضع قيدًا في رجلي.
ذهابه للشام
لما أتيحت لي فرصة بعثت إلى النصارى أقول لهم : إذا قدم عليكم ركب يريد الذهاب إلى بلاد الشام فأعلموني. فما هو إلا قليل حتى قدم عليهم ركب متجه إلى الشام.
فأخبروني به، فاحتلت على قيدي حتى حللته، وخرجت معهم متخفيًا حتى بلغنا بلاد الشام. فلما نزلنا فيها، قلت: من أفضل رجل من أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف راعي الكنيسة، فجئته فقلت: إني قد رغبت في النصرانية، وأحببت أن ألزمك وأخدمك وأتعلم منك وأصلي معك. فقال: ادخل. فدخلت عنده وجعلت أخدمه.
ثم ما لبثت أن عرفت أن الرجل رجل سوء؛ فقد كان يأمر أتباعه بالصدقه ويرغبهم بثوابها، فإذا أعطوه منها شيئًا لينفقه في سبيل الله اكتنزه لنفسه ولم يعط الفقراء والمساكين منها شيئًا، حتى جمع سبع قلال من الذهب،فأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته منه، ثم ما لبث أن مات فاجتمعت النصارى لدفنه، فقلت لهم:
إن صاحبكم كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا. قالوا : من أين عرفت ذلك؟!.
قلت: أنا أدلكم على كنزه. قالوا: نعم دلنا عليه. فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وفضة، فلما رأوها قالوا:
والله لا ندفنه، ثم صلبوه ورجموه بالحجارة. ثم إنه لم يمض غير قليل حتى نصبوا رجلا آخر مكانه، فلزمته، فما رأيت رجلا أزهد منه في الدنيا، ولا أرغب منه في الآخرة، ولا أدأب منه على العبادة ليلا ونهارًا، فأحببته حبًا جمًا، وأقمت معه زمانًا، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إلى من توصي بي ومع من تنصحني أن أكون من بعدك؟
فقال: أي بني لا أعلم أحدًا على ما كنت عليه إلا رجلا بالموصل هو فلان، لم يحرف ولم يبدل فألحق به.
فلما مات صاحبي لحقت بالرجل في الموصل، فلما قدمت عليه قصصت عليه خبري وقلت له: إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك مستمسك بما كان عليه من الحق. فقال: أقم عندي. فأقمت عنده فوجدته على خير حال.
ثم إنه لم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان لقد جاءك من أمر الله ما ترى، وأنت تعلم من أمري ما تعلم فإلى من توصي بي؟ ومن تأمرني بالإلحاق به؟
فقال: أي بني، والله ما أعلم أن رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به. فلما غيب الرجل في لحده لحقت بصاحب نصيبين وأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي فقال لي: أقم عندنا. فأقمت عنده فوجدته على ما كان عليه صاحباه من الخير، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضرته الوفاة قلت له : لقد عرفت من أمري ما عرفت فإلى من توصي بي؟
فقال: أي بني، والله إني ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا إلا رجلا بعمورية هو فلان، فالحق به. فلحقت به وأخبرته خبري فقال: أقم عندي. فأقمت عند رجل كان والله على هدي أصحابه، وقد اكتسبت وأنا عنده بقرات وغنيمة.
-يتبع-