الإرهاب الآن هو الشغل الشاغل للكافة والحكومات، مؤتمرات تعقد هنا وهناك لإدانة الإرهاب، والتأكيد على ضرورة محاربته، ولا سيما في الآونة الأخيرة، إذ أصبحت وسائل الإعلام تهتم بتوعية الناس عن تطرف المسلمين وإرهابهم، حتى أنه لا يمضي يوم دون أن نشاهد ونقرأ ما تنقله الوسائل من بعض ما يدعم ادعاءهم عن إرهاب المسلمين، سواء أكانت هذه الحوادث منازعات شخصية، أو مصارعات سياسية أو كفاحا مصيريا لحفظ حقوق الإنسان، ونيل مبادئ الحرية.
ومما يدعونا إلى الدهشة والاستغراب أن الوسائل الإعلامية الحديثة تعتم تماما على إرهاب اليهود والنصارى والهندوس وسائر الملحدين حيث تضخم الأحداث التافهة من جانب المسلمين.
وبذريعة مكافحة الإرهاب ودحره في معقله تعرضت أفغانستان لهجوم أمريكي بربري وحشي، رغم أن البلد كان مثخنا بالحروب والمجاعات منذ العقدين الماضيين أو يزيد، ثم إن اليهود أوعزوا إلى بوش أن يدحر نظام صدام الذي هو في الأصل ثمرة من غراس أمريكا، فقذفت الولايات المتحدة بلاد الرافدين بصواريخها وطائراتها، ولاتزال النيران مشتعلة في أفغانستان والعراق.
والكل يعلم أن هذا ليس من أجل عداء أمريكا للإرهاب، وليس دليلا على مصداقيتها في محاربته، وإنما لأن في بلاد الرافدين ثاني مخزون احتياطي من النفط ولأن نبوءات التوراة تؤكد على ذلك، وفيما يستمر مسلسل الدمار والتخريب في أفغانستان والعراق، تكشر الولايات المتحدة عن أنيابها لالتهام فريسة أخرى وأخرى…
وفضلا عما تقوم به أمريكا هناك طائفة من المبشرين تواصل عملياتها التنصيرية في جميع القارات باستغلال فقر الناس وأميتهم وأمراضهم وسائر مآسيهم من أجل الصيد في الماء العكر، وبدعم هؤلاء المبشرين تجري إبادة المسلمين في الفلبين والتطهير العنصري في كوسوفو، كما أنهم يقتلون آلافا من المسلمين في بقعة تيمورلجعلها دولة نصرانية منفصلة عن إندونيسيا.
كل هذه العمليات العنيفة من جانب الصليبية لا تعتبر ارهابا في نظر الوسائل الإعلامية بل كثيرا ما تهمل الاضطهادات ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ولا يخفى على أحد أن إسرائيل تقتل بلا رأفة المسلمين العرب في فلسطين منذ نصف قرن، وأن رئيس الوزراء الحالي >شارون< كان قائدا للمجرمين في مذابح >صبرا< و >شتيلا< وبعد رئاسته أيضا مازال يباشر جهوده بهجمة شعواء لطرد المسلمين من الأرض المقدسة، وبالرغم من ذلك لا تعتبر وسائل الإعلام هذا العمل الإجرامي اليهودي الغاشم عملا إرهابيا.
ومحصلة القول أن الأَكَلَة الأمريكان والصهيونية معهم قد تكالبوا على القَصعة الإسلامية من كل حدب وصوب، وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، فأصبح العالم الإسلامي يمر بمنعطف تاريخي حقيقي بعد 11 شتنبر يتميز بشتى الإحتمالات والمفاجآت.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هو: هل هذه الحرب الجارية المناهضة للإرهاب المزعوم بقيادة أمريكا هل هي ضد الإرهاب بالفعل أم هي ضد الإسلام؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، يجدر بنا أن نشير إلى أن >بوش< والمتحالفين معه قد قسموا العالم إلى معسكرين: معسعر الخير وهو على حد زعمه يمثل هذا المعسكر ويقوده، وعليه فهو مهتم بدحر الأشرار. ومعسكر الشر الذي يمثل كل من خالفه.
والمتدبر في كتاب الله يجد أن فكرة تقسيم العالم إلى معسكرين صحيحة من حيث المبدإ نطقت بها نصوص الكتاب و السنة، وهذه الفكرة ليست وليدة اليوم ولكن تطبيقها بالمنطق الأمريكي باطل حتى النخاع.
ولكي أوضح الفكرة أكثر لابد أن أشير إلى أن القرآن الكريم لا يذكر صفات المؤمنين وبيان ما أعد لهم في الجنة إلا ويُرْدِف ذِكْرَ الكفار والمنافقين وموقعهم في النار.
إذن فكرة تقسيم العالم قديمة قدم الزمان والمكان وهي ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، والحرب بين معسكر الخير ومعسكر الشر بمفهوم القرآن بين حزب الله وحزب الشيطان لم تهدأ في يوم من الأيام، بل ولا في لحظة من اللحظات.
فمنذ أن دك المسلمون حصون خيبر التي تَتَرَّسَ فيها اليهود وأجلاهم الرسول منها، ومنذ تكسرت صلبان نصارى نجران، والمعركة مازالت قائمة، ولايزال أعداء الإسلام يقعدون للمسلمين كل مرصد، ويأخذونهم بالنواصي والأقدام، ويتربصون بهم ريب المنون.
هذه لمحة عن الإرهاب وعن مواقف وسائل الإعلام منه.
إن الإرهاب اليوم يحتاج إلى عقد مؤتمر دولي لتعريفه تعريفا دقيقا، حتى لا يبقى أعداء الإسلام يدلسون الإرهابية الحقيقية ويفترونها سمة للدين الحنيف والدين منها براء.