الليل ستَّار عن الأبصار، يجعل العبد يظهر أقصى ما يمكنه من مظاهر التذلل والانكسار، والخنوع والخشوع، والدعاء والبكاء، والتوبة والإنابة والمناجاة.
وفي صمت الظلام وسكينة الليل، وهدوء الخاطر وإشراقة النفس وتشبعها بمشاعر الشوق إلى معانقة رحمة الله والانكسار لجلاله، في ظل هذه الاشراقات الإيمانية يتنعم المؤمن بلذة الأنس بالله والتهجد والتعبد في جوف ليالي رمضان. فإذا بالجُنوب تتجافى عن المضاجع شوقا إلى الله، قال تعالى : {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} (السجدة : 16).
وتحكي السيدة عائشة حالة النبي في قيام الليل فتبين أنها حالة حب وشكر واستغفار تليق بنعمة الإيمان المغمور بها الإنسان.
عن عائشة] قالت : كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له : لم تصنع هذا، يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا” متفق عليه.
نِعمالتوفيق من المولى للعبد إذا فتح الله عليه في القيام، فعن سالم بن عبد الله بن عمر ] عن أبيه أن رسول الله قال : “نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل” قال سالم : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. متفق عليه.
إن رمضان مدرسة تفتح أبوابها كل عام لتكوين وتدريب المسلم على القيام والتهجد، فلهذا نجد الصيام مقرنا بالقيام في كثيرمن النصوص، عن أبي هريرة ] قال : قال رسول الله : “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”. رواه مسلم
إن أهل الله والموصولين بالله والمعتصمين بحبل الله والواقفين عند حدود الله، يوافقون بهواهم مرضاة الله كما هو الشأن عند أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص] أن رسول الله قال : “أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما”. متفق عليه.
إنه قيام الاستغفار للطهارة من الذنوب والأوزار.
عن أبي هريرة ] أن رسول الله قال : “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ” رواه البخاري ومسلم.