مع بداية كل موسم دراسي يكون هم غالبية الأسر ما يتعلق بتمدرس أبنائها بدءا بالتسجيل، مرورا بشراء الأدوات والحاجيات، وانتهاء بالوضع المريح داخل الأقسام.
هذا الهم الكبير هدفه الأساسي أن يصبح الأبناء قارئين متعلمين وغايته الأسمى أن يبنوا بسواعدهم وطن الغد حينما يصبحون أطر الأمة، وسواعدها التي يُبنى عليها الرقي والنمو والازدهار.
ولذلك فإن الأمم الراقية في هذا العصر، كان سبب رقيها وازدهارها هو الاهتمام الكبير بالتربية والتعليم أطرا ومؤ طرين، إدارة ومسئولين، معلمين ومتعلمين.
ولعل المتأمل العابر لتجليات التربية والتعليم عند هذه الأمم الراقية وتجلياته عندنا، يدرك الفرق بوضوح.
أول مظاهر التربية والتعليم في الأمة أن يكون أبناؤها “قراء” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
الذي يزور أي دولة متقدمة يلاحظ بوضوح أن القراءة دأب كل رجل وامرأة :
ـ في القطار ترى الناس هناك في مقصوراتهم منهمكين في القراءة.
ـ في قطار الأنفاق (المترو) تراهم كذلك.
ـ في الطائرات تراهم كذلك.
ـ في الحدائق العمومية أيضا.
ـ وأكاد أقول حتى في المقاهي تراهم كذلك، لولا أن المقاهي هناك، لا يرتادها الناس إلا في أوقات محدودة؛ في الزوال، أو خلال فترة محدودة بعد السادسة مساء.
قد نتساءل ماذا يقرءون؟ إنهم يقرءون كل شيء : كتب، روايات، مجلات، جرائد .
والشاذ عندهم هو الذي يمسك في يده على الأقل جريدة.
هذا مظهر من مظاهر التربية والتعليم عندهم، فهل عندنا نفس المظهر؟
ارم ببصرك في القطارات ـ وهي الوسيلة التي يمكن أن تسمح عندنا بالقراءة, تجد أن القارئ يمثل منظرا شاذا.
كم مرة حملت الكتاب في القطارـ مفضلا إياه على غيره في السفر من أجل أن أقرأـ فلا أكاد أخلص إلى ذلك إلا بصعوبة، حتى ولو جمعتني المقصورة مع أشخاص “قراء كبار”.
لا ليس هذا فقط ارم ببصرك كرتين وأكثر في الجامعة. وخاصة في الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، وانظر هل هناك من “يقرأ”؟ وكم نسبة القارئين هناك؟.
يطبع من نسخ الكتاب عندهم بالآلاف المؤلفة، وأحيانا بالملايين فتنفذ النسخ في زمن يسير. ويطبع من نسخ الكتاب عندنا بالمآت (حتى لا أقول بالعشرات): خمسمائة، ألف، ألفي نسخة على أكثر تقدير، ويوزَّع في أكشاك ومكتبات دنيا العرب، فتبقى طبقات الغبار مكدسة عليها أياما وشهورا، ثم تعود وهي معززة مكرمة إلى مؤلفها المسكين، لم يمسسها إنس ولا جان، ليعض المؤلف على يديه ولسان حاله يقول : يا ليتني لم أكن كاتبا.
حتى شبكة المعلومات الدولية (انترنت)، وهي أحدث وسيلة للقراءة والتعليم، بل والبحث العلمي أيضا توظف أسوء توظيف عندنا. الذي يدخل مقاهي هذه الشبكة يجد أن هم غالبية الرواد هو ما يسمى بالدردشة والبحث عن أصدقاء الخ… على عكس من عندهم هناك حيث إن أدناهم يحاول أن يبحث عن الجديد في كل شيء.
هذا بعض ما عندنا، وذلك بعض ما عندهم في مظاهر القراءة، ومن يتتبع هذه المظاهر يجد العجب العجاب.
> د. عبد الرحيم بلحاج