إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أدب عباده بالحسنى وهذبهم بالطريقة المثلى {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله : بدأ عام دراسي جديد حيث تفتح الجامعات والمعاهد والمدارس أبوابها، ويخرج أبناؤنا لتلقي العلم النافع الذي يبعدهم عن طريق الضلال والغي. والسؤال : ما هو موقفنا من العلم؟ وما هو العلم الذي نريده وما هي مسؤولية الأساتذة الأخيار، والمعلمين الأبرار اتجاه شباب الأمة وأجيال الأمة؟ لقد أمر الله بطلب العلم، ومدح العلم، وأثنى على العلماء وذكرهم في كثير من الآيات، وذم صنفا آخر من العلماء ومقتهم.
يقول الله عز وجل لرسوله في أول طريق الدعوة وخطواتها {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} قبل أن تبدأ في الدعوة، قبل أن تبدأ في الحياة عليك بطلب العلم {فاعلم أنه لا إله إلا الله} املأ قلبك بالإيمان املأ جوارحك باليقين, كن عبدا لله قبل أن تتعلم العلم. ثم يقول له ممتنا عليه يوم أخرجه من بين جبال مكة وشعابها، إذ لم يتعلم في مدرسة ولا دخل جامعة ولا تلقى العلم على شيخ ولا أستاذ وإنما كما قال الله تعالى {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} الله الذي علمك، الله الذي فقهك، والله الذي نور بصيرتك. واستشهد الله بالعلماء وبطلبة العلم على أكبر شهادة في الدنيا، وعلى أكبر شهادة عرفتها الإنسانية وهي شهادة التوحيد : {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} ووصف الله طلبة العلم بأنهم يخشونه تبارك وتعالى، وبأنهم يقفون عند حدوده وبأنهم لا ينتهكون حرماته، وبأنهم يراقبونه في السر والعلن، فالذي لا يراقب الله ليس بطالب علم، والذي لا يخشى الله ليس بطالب علم، والذي لا يتقي الله ليس بطالب علم {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ووصف الله طلبة العلم بأن عندهم من الفهم للدعوة، والفهم للدين، والاستنباط من النصوص شيئا كثيرا فقال جل وعلا {وما يعقلها إلا العالمون} هذه الرسالة الخالدة، هذه المبادئ الأصيلة لا يعقلها إلا من يفهم عن الله أمره ونهيه. ولم يأمر الله رسوله بالتزود من شيء إلا بالتزود من العلم {وقل رب زدني علما} والله عز وجل قد حكم بين طلبة العلم وبين غيرهم فقال {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وقال {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
فيا أيها المسلمون : إن أبناءكم إذا لم يتعلموا العلم النافع، ويطلبوه لمرضاة الواحد الأحد، فأَقْلِلْ به من علم، ويا ندامة صاحبه ويا خسارته. علم لا يجعلك تشهد أن لا إله إلا الله، ولا يجعلك تعظم الله ليس بعلم، علم لا يجعلك تحافظ على الصلوات الخمس في جماعة ليس بعلم، علم لا يجعلك بارا بوالديك، وصولا لرحمك، صادقا وفيا، خاشعا منيبا، متقيا سنيا، ليس بعلم، العلم ليس بحفظ النصوص، فمن الناس من يقرأ شيئا من القرآن ويحفظ بعضه ولكنه فاجر يلعنه القرآن وتلعنه السنة.
عباد الله : لقد بعث رسول الله في أمة ضالة ضائعة فهداها إلى الله {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} وما بدأ مجدنا وتاريخنا ولا عظمتنا، ولا ارتفعت رؤوسنا إلا برسالة المصطفى الذي قال له ربه {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك} أتى بالهدوء واللين حتى قاد قلوبهم إلى الله.
أخرج البخاري عن أنس بن مالك ] قال : كنت أمشي مع رسول الله وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبده بردائه جبدة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق النبي وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبدته ثم قال : يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه الرسول فضحك ثم أمر له بعطاء. فسبحان من علمه وسبحان من ثبته وسبحان من سدده؟ أفلا يأخذ الأساتذة الأخيار والمعلمون الأبرار دروسا من هذا الأسلوب الراقي في معاملة شباب المسلمين؟ ورسول الله كان في تعليمه يخاطب الناس على قدر عقولهم، فأستاذ الابتدائي ليس كأستاذ الجامعة، فالواجب عليه أن يصل إلى عقول هذا النشء وإلى أفهامهم.
في صحيح البخاري أنه واسى صبيا مات له طائر يقول له : يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟
قال أهل العلم فيه درس عظيم على أن الناس يخاطبون على قدر عقولهم وأن المعلومات تصلهم على قدر أفهامهم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي المرسلين والحمد لله رب العالمين.
üüüüü
الحمد لله ولي المتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ونسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.
عباد الله : كان رسول الله ينهج في التعليم طرقا شتى، منها التعليم بالقدوة في نفسه فما قال كلمة إلا عمل بها، وما دعا الناس إلى خير إلا كان أول من يقودهم إليه ليراه من يفد عليه ساعة فيهتدي بمرآه لأنه يراه صادقا أمينا مخلصا محبا للخير، قائدا إلى البر وإلى التعاطف وكان يربي بالتطبيق، فهل وعى الأساتذة هذا المبدأ؟ كان إذا أراد أن يعلم الناس الصلاة قام فصلى أمامهم وقال : “صلوا كما رأيتموني أصلي” كما قال “خذوا عني مناسككم”. كان يضرب الأمثال المذهلة التي تبقى في النفوس فلا تزول. أراد أن يصف لهم فضل الصلوات الخمس فقال : أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل كل يوم منه خمس مرات أيبقىمن درنه شيء. قالوا : لا يا رسول الله قال : فذاك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن الخطايا.
هكذا يكون التعليم وهكذا يكون وضوح المناهج التي تبني ولا تهدم، وإلا فما فائدة علم يسلخ الشاب من مبادئه ومن دينه ومن تقواه ومن خشيته لله فيخرج يحمل شهادة وهو فاجر، ويحمل مؤهلا علميا وهو فاسق لا يعرف من الدين قليلا ولا كثيرا. فهذا هو العلم الضار. {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.