عندما قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بتعيين جون نيغروبونتي سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في بغداد ليتسلم أعمال منصبه بعد 30 حزيران من هذا العام ( اي في نهاية هذا الشهر) أعطى إشارة واضحة إلى نوعية السياسة التي عزمت الولايات المتحدة الأمريكية على اتباعها في العراق. فهذا السياسي له تاريخ حافل بالجرائم في البلدان التي كان سفيرا لبلده فيها، ولاسيما في هندوراس حيث يلقب بـ”قاتل هندوراس” عندما كان سفيرا لبلده هناك في عهد الرئيس الأمريكي “رونالد ريغن”. وقد ارتفعت أصوات معارضة عديدة داخل الولايات المتحدة وخارجها وانتقدت تعيين مثل هذا الشخص في مثل هذا المنصب لأن سجله السيئ معروف لدى الجميع. وهو أرثذوكسي ومعروف بعلاقاته الحميمة مع إسرائيل. وسيكون سفيرا في بغداد في أكبر سفارة للولايات المتحدة الأمريكية حيث سيعمل في هذه السفارة 3300 موظف أكثرهم من كوادر المخابرات المركزية الأمريكية CIA والمختصين والخبراء في سياسة الشرق الأوسط. وسيستخدم أحد القصور الفخمة لصدام حسين كسفارة.
نتيجة لسجله وتاريخه السيئ فهناك اتهامات ضده تبلغ آلاف الصفحات في الإنترنت من قبل جمعيات حقوق الإنسان في هندوراس وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد صرح السيد ” ريد برودي Read Brody ” رئيس منظمة “مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch” في نيويورك تعقيبا على تعيين هذا الشخص سفيرا في بغداد فقال :
” إن الإنسان ليعجب عن نوعية الرسالة التي تريد إدارة بوش إرسالها بهذا التعيين”.
بعد كل الفضائح التي ظهرت عن تصرف الأمريكيين في العراق والتي سجلت ووثقت بصور التعذيب الوحشية في سجون العراق والتي جرحت الضمير العالمي وأدمته ولم تنفع التمثيلية التي قامت بها المخابرات المركزية الأمريكية CIA (ونقصد تمثيلية قطع رأس أحد اليهود الأمريكيين والتي نفذت من قبل CIA ) في إزالة آثارها ولا في تجميل الوجه الأمريكي البشع…بعد كل هذه الفضائح فإن هذا التعيين خطوة حمقاء تضاف إلى التصرفات الحمقاء للإدارة الأمريكية التي من المفروض عليها القيام بخطوات إيجابية لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، وليس إرسال سفاح من نوع شارون إلى بلد تحول إلى مستنقع بالنسبة إليها. كما أن على الحكومة العراقية الجديدة رفض قبول هذا التعيين والإعلان بأنه شخص غير مرغوب فيه.
< من هو نيغروبونتي
والآن لنعط بعض التفاصيل عن حياة هذا الشخص :
اسمه الكامل ” جون ديمتري نيغروبونتي John Dimitri Negroponte ولد في 21/تموز/1939 في لندن. والده يوناني كان يعمل في لندن في مؤسسة بحرية. تخرج من جامعة “يالا” عام 1960م. خدم في الخارجية الأمريكية اعتبارا من عام تخرجه في 1960 حتى عام 1997 في ثمانية مراكز مختلفة فيآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وشغل مراكز مهمة في إدارة الدولة وفي البيت الأبيض، وعمل وكيلا للمدير التنفيذي لمؤسسة أسواق ماك كرو-هيل العالمية حتى تعيينه في سبتمبر 2001 سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة . وفي 19/ابريل/2004 عينه الرئيس بوش سفيرا في العراق ليتسلم مهام عمله بعد 30 حزيران. وهو يتقن خمس لغات.
< لماذا لقب بـ” قاتل هندوراس”؟
نستقي المعلومات الآتية من ” دائرة المعارف الحرة The Free encyclopedia ومن مقالة ” Contra Aide بقلم Sarah Wildman ومن مقالات أخرى نشرت في بعض مواقع الإنترنت.
عندما كان سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في هندوراس (1981 /1985) ارتفعت في هذه السنوات المساعدات العسكرية الأمريكية لهندوراس من 4 ملايين دولار إلى 77مليون دولار، وأتهم بأنه كان يشرف على استراتيجية سرية للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ” رونالد ريغن” كانت تستهدف القضاء على حكومة ” الساندنستاس Sandinistas ” اليسارية في نيكاراغواي والتي جاءت إلى الحكم بطريقة ديمقراطية وعن طريق الانتخابات.
في سنوات خدمته هذه ارتفع معدل الإخلال بالحقوق الإنسانية في نيكاراكواي وأصبح أمرا اعتياديا. وكان جون نيغروبونتي يقف وراء هذا الإخلال بالحقوق الإنسانية الذي شمل قتل آلاف المواطنين المدنيين وتعذيب آلاف أخرى منهم. وشمل هذا صنوفا من القتل تقشعر لهولها الأبدان منها مثلا إلقاء الأشخاص المسجونين الذين لا يعترفون أو لا يدلون بالمعلومات المطلوبة من طائرات الهيلوكبتر وهم أحياء.
وتنفيذا لاقتراح نيغروبونتي فقد تم إنشاء قاعدة جوية أمريكية في هندوراس هي قاعدة ELAGUACATE التي استخدمت لتدريب عصابات الكونترا النيكاراغوية ضد حكومة “الساندنستاس “. كما استخدمت كسجن سري مورست فيه أبشع صور التعذيب. وقد صدم العالم أجمع في شهر أغسطس من عام 2001 عندما تم اكتشاف مقبرة جماعية في هذه القاعدة الجوية كانت تحتوي على بقايا هياكل عظمية ل185 شخصا ماتوا تحت التعذيب ودفنوا هناك.
كما تشير الوثائق إلى أن الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA قامت بالتعاون مع الجيش الأرجنتيني بتشكيل وحدة استخبارات عسكرية خاصة في هندوراس اسمها Battalion 3-16 قامت باختطاف وقتل المئات من أهالي هندوراس. وتشير جميع الوثائق إلى أن السفير الأمريكي ” نيغروبونتي” كان على علم تام بل كان وراء كل هذه العمليات الوحشية التي تشكل انتهاكا كبيرا للحقوق الإنسانية، وانه استمر في التعاون مع الجيش الهوندوراسي. وعندما استدعي أمام الكونجرس الأمريكي بعد أن فاحت رائحة هذه العمليات غير الإنسانية أنكر وبكل صلف هذه الاتهامات الموجهة إليه، وكذب على الكونجرس الأمريكي.
في شهر مايس (مايو) لعام 1982 ذهبت مبشِّرة اسمها “الأخت لاتيتا بوردس Bordes Laetitia كانت قد قضتعشرة أعوام في السلفادور إلى هندوراس لمعرفة مصير ثلاثين مبشرة سلفادورية كن قد ذهبن إلى هندوراس عام 1981 بعد اغتيال رئيس الأساقفة “اوسكار روماروArchbishop Oscar Romeroو قابلت السفير نيغروبونتي مستفسرة منه عن مصير هؤلاء المبشرات. غير أن نيغروبونتي أنكر علم السفارة بأي خبر عنهن. ولكن في عام 1996 صرح السيد “جاك بنس Jack Binns (وكان سلفا لنيغروبونتي في سفارة هندوراس) لجريدة ” بلتمور صن Baltimore sun بأن جماعة من السلفادوريين من ضمنهم هؤلاء المبشرات ألقي القبض عليهم في 22 ابريل1981 وعذبوا بصورة وحشية من قبل البوليس السري في هندوراس ثم ألقوا بهم من طائرات الهليوكوبتر وهم أحياء وأن السفير الأمريكي نيغروبونتي كان على علم بهذا الأمر.
وفي بداية عام 1984 اتصل شخصان أمريكيان من المرتزقة وهما “توماس بوسي Thomas Posey و”دانا باركر Dna Parker بالسفير الأمريكي نيغروبونتي وأخبراه باستعدادهما لتزويد المعارضة النيكاراكوية بالأسلحة اللازمة بعد أن قطع الكونجرس الأمريكي المساعدات العسكرية عن هندوراس. وتقول الوثائق بأن نيغروبونتي قام بمهمة حلقة الوصل بين هذين الشخصين وبين الجيش في هندوراس. وبعد تسعة أشهر افتضحت هذه العملية وعرفت بها الصحافة الدولية، ولكن ادارة الرئيس “ريغن” أنكرت وجود أي ضلع للولايات المتحدة الأمريكية بهذه العملية مع أن سفيرها في هندوراس كان متورطا في هذه العملية حتى أذنيه.
قام السيد جاك بنس ( سلف نيغروبونتي) الذي كان قد عين سفيرا في هندوراس من قبل الرئيس الأمريكي ” جيمي كارتر”بتقديم عدة شكاوى، وصرح عدة تصريحات يندد فيها بحوادث الإخلال بالحقوق الإنسانية في هندوراس. وعندما تم تعيين “نيغروبونتي ” محله في السفارة بعد مجيء ” رونالد ريغن” إلى الرئاسة، قدم له ملفا كاملا حول تفاصيل حوادث الإخلال بالحقوق الإنسانية التي تجريفي هندوراس من قبل الجيش ليكون السفير الجديد على علم كامل بما يجري في البلد. ولكن مع وجود هذا الملف المفصل حول هذه الحوادث فقد أصر نيغروبونتي بأنه لم يكن على علم بأي إنتهاك لحقوق الإنسان في هندوراس. وبعد مضي مدة على سفارته هناك اتهمت لجنة حقوق الإنسان في هندوراس ضلوع السفير الأمريكي في عمليات الإنتهاك هذه.
وقامت جريدة “صن Sun” بتحقيقات واسعة حول هذا الموضوع تبين لها في النهاية بأن الاستخبارات المركزية الأمريكية CIAوالسفارة الأمريكية في هندوراس كانتا على علم بجميع حوادث القتل والاختطاف والتعذيب الجارية في هندوراس، بل انهما تعاونتا وبشكل وثيق مع المخابرات العسكرية لهندوراس والتي يطلق عليها اسم 3-16 Battalion.
ولم تكتف إدارة الرئيس بوش بتجاهل أصوات الاعتراضات التي ثارت عندما تم تعيين نيغروبونتي سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، بل قامت بجهودحثيثة للتستر على ماضي هذا الشخص فقامت مثلا بترحيل العديد من المهاجرين الهندوراسيين الموجودين في الولايات المتحدة الأمريكية من الذين يعرفون ماضي نيغروبونتي وتعاملوا معه في عملياته السرية القذرة والذين يستطيعون الإدلاء بشهادات ضده في اي تحقيق قد يثار في المجلس النيابي أو في الكونجرس الأمريكي معه.. وقد أشارت جريدة ” لوس أنجلس Los Angeles الأمريكية في عددها يوم 25 مارت 2004 إلى هذا الأمر، ولهذا الترحيل المشبوه والمفاجئ، وأشارت إلى السبب الكامن وراءه.
بعد كل هذا نعود فنسأل: ما مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في إرسال شخص له هذا الماضي الملوث سفيرا لها إلى العراق؟…أليس من الضروري لها القيام بمحاولة لتجميل صورتها أمام الراي العام العراقي والأمريكي والعالمي ولا سيما بعد فضيحة صور التعذيب؟ وهل يمكن مساعدة العراقيين في إرساء حكم ديمقراطي في العراق عن طريق هذا الشخص الذي لا يتقن سوى التعاون مع أجهزة الاستخبارات السرية لاختطاف وتعذيب وقتل الأبرياء من المدنيين؟…أم تريد الولايات المتحدة الأمريكية بهذا التعيين إرسال رسالة إلى الجميع بأنها ستزيد من قبضتها الحديدية وتعامل المعارضين لسياستها الحالية ولبقائها في العراق بالحديد والنار؟
إننا نكرر هنا ونقول: إن على الحكومة العراقية الجديدة رفض تعيين هذا الشخص. فإن فعلت هذا فإنها تبرهن على أنها تملك جزءً من السلطة ومن السيادة. وتستطيع أن تحيط الأمم المتحدة بأسباب رفضها، وسيكون هذا الرفض مبررا ومعقولا لأن الأمم المتحدة تعرف جيدا ماضي هذا الشخص.
أيتها الحكومة العراقية الجديدة!…نحن ننتظر منك هذه الخطوة الجريئة.