رمضان مدرسة تربوية، يتدرب بها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه، والتسليم لحكمه، وتنفيذ أوامره وشريعته، وضبط جوارحه كلها عما لا يجوز فعله؛ لينجح من هذه المدرسة حقاً، ويخرج ظافراً من جهاده لنفسه، موفراً مواهبه الإنسانية، وطاقاته المادية والمعنوية لجهاد أعدائه.
فحري بهذا الشهر أن يكون فرصة ذهبية، للوقوف مع النفس ومحاسبتها لتصحيح ما فات، واستدراك ما هو آت، قبل أن تحل الزفرات، وتبدأ الآهات، وتشتد السكرات.
فلنتذاكر جميعاً ونتساءل: هل يمكننا أن نغير من أحوالنا، ونحسن من أوضاعنا، فنفكر في مآلنا ومصيرنا بعد فراق حياتنا، فنمهد لأنفسنا قبل عثرة القدم، وكثرة الندم، فنتزود ليوم التناد بكامل الاستعداد؟!
لماذا رمضان؟!
1- لأن رمضان موسم البضاعة الرابحة، ولما حباه الله من المميزات، فهو بحق مدرسة لإعداد الرجال وهو بصدق جامعة لتخريج الأبطال.
2- ولما يسر الله تعالى فيه من أسباب الخيرات، وفعل الطاعات، فالنفوس فيه مقبلة، والقلوب إليه والهة.
3- ولأن رمضان تصفد فيه مردة الشياطين، فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غير رمضان،
4- وفي رمضان تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار.
5- وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فما أعظمها من بشارة، لو تأملناها بوعي وإدراك؛ لوجدتنا مسارعين إلى الخيرات، متنافسين في القربات، هاجرين للموبقات، تاركين للشهوات.
6- ورمضان فرصة للتغيير.. لما حصل فيه من الأحداث التي غيرت مسار التاريخ، فنقلت الأمة من مواقع الغبراء، إلى مواكب الجوزاء، ورفعتها من مؤخرة الركب، لتكون في محل الصدارة والريادة:
> ففي معركة بدر الكبرى التقى جيش محمد ، وجيش الكفر بقيادة أبي جهل في السنة الثانية من الهجرة في اليوم السابع عشر من رمضان، وانتصر فيها جيش الإيمان على جيش الطغيان، ومن تلك المعركة بدأ نجم الإسلام في صعود، ونجم الكفر في أفول، يقول الله تعالى : {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}( آل عمران : 123) .
> وفي السنة الثامنة، وفي شهر رمضان، كان الفتح العظيم الذي أعز الله به دينه، ورسوله، وجنده، واستنقذ به بلده وبيته من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجا .
> وفي سنة ستمائة وثمانية وخمسين، فعل التتار بأهل الشام مقتلة عظيمة، وتشرد من المسلمين من تشرد، وخربت الديار، فقام الملك المظفر قطز، بتجهيز الجيوش، لقتال التتار، حتى حان اللقاء في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، وأمر ألا يقاتلوا حتى تزول الشمس، ويدعوا الخطباء والناس في صلاتهم، ثمتقابل الصفان، واقتتل الجيشان، وحصلت معركة عظيمة، سالت فيها دماء، وتقطعت أشلاء، ثم صارت الدائرة على القوم الكافرين، وقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين.
كل هذه الأسباب جعلتنا نوقن بأن رمضان فرصة سانحة، وغنيمة جاهزة، لمن أراد التغيير في حياته . فالأسباب مهيأة، وما بقي إلا العزيمة الصادقة، والصحبة الصالحة، والاستعانة بالله في أن يوفقك للخير والهداية .
رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح
هذا أوان تبتل وصـــلاح
واغنم ثـواب صيامه وقيامـه
تسعـد بخير دائـم وفلاح
رمضان فرصة الجميع للتغيير
> 1- ليصبح العبد من المتقين الأخيار: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة : 183). فقول ه: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعليل لفرضية الصيام؛ ببيان فائدته الكبرى، وحكمته العظمى، وهي تقوى الله، والتقوى: حساسيةٌ في الضمير، وخشيةٌ مستمرة، وحذرٌ دائم، وتوق لأشواكِ الطريق ؛طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات، وأشواكُ المخاوفِ والهواجس، وأشواكُ الفتنِ والموبقات، وأشواكُ الرجاءِ الكاذب فيمن لا يملكُ إجابةَ الرجاء، وأشواكُ الخوف الكاذب ممن لا يملكُ نفعاً ولا ضراً، وعشراتٌ غيرُها من الأشواك..
خل الـذنوب صغيرهـا
وكبيرهـا ذاك الـتقى
واصنع كماش فوق أرض
الشوك يحذر ما يرى
لا تحقـرن صـغيرةً
إن الجبالَ مـن الحصى
هذا هو مفهوم التقوى، فإذا لم تتضح لك بعد، فاسمع إلى علي رضي الله عنه وهو يعبر عن التقوى بقوله:’ هي الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيل، والقناعةُ بالقليل، والاستعدادُ ليوم الرحيل’ . هذه حقيقة التقوى، وهذا مفهومها..فأين نحن من هذه المعاني المشرقةِ المضيئة؟
يوم عُمرت قلوبُ السلفِ بالتقوى، جمعهم الله بعد فرقة، وأعزهم بعد ذلة، وفُتحت لهم البلاد، كل ذلك تحقيقًا لموعودِ الله : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(لأعراف : 96).
فليكن هذا الشهر بداية للباس التقوى؛ وهو خير لباس:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}(القمر : 54- 55).
> 2- ورمضان فرصة للتغيير..لمن كان مفرطاً في صلاته: فلا يصليها مطلقاً، أو يؤخرها عن وقتها, أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد . ليعلم المتهاون في صلاته، أنه يرتكب خطأ مهلكًا، و إن لم يتدارك نفسه؛ فهو آيل إلى عذاب مخيف، جاء في الحديث عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا قَالَ : >أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ<(رواه البخاري).
إني أدعوك بكل شفقة وإخلاص، في مثل هذا الشهر المبارك إلى إعادة النظر في واقعك، ومُجريات حياتك، أدعوك إلى مراجعة نفسك، وتأمل أوضاعك قبل فوات الأوان، إني أنصحك ألا تخدعك المظاهر، ولا يغرك ما أنت فيه، من الصحة والعافية، والشباب والقوة، فالصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، والقوة آيلة إلى الضعف، فاستيقظ يا هذا من غفلتك، فالحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت، واجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة، فقد وفقك الله للصلاة مع الجماعة، وإلف المساجد، وعمارتها بالذكر والتسبيح، فاستعن بالله، واعزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية للمحافظة على الصلاة، والتبكير إليها، يقول تعالى في وصف المؤمنين : { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}( المعارج : 23) . ويقول سبحانه : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}( المعارج :34 – 35).
> 3- ورمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلي بتعاطي الحرام: من خـمر ومخدرات، أو دخان و مسكرات، أن لا يفعل بعد إفطاره ما يخل بهذه العزيمة القوية، أو يوهنها، أو يقلل من شأنها، تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار، فما أحزمه لو استغل شهر الصيام كمدرسة يتدرب بها على هجر ما يكرهه هو، أو يكرهه الشارع، من مألوفاته التي اعتاد أكلها، أو شربها، أو مقاربتها.
أخي الصائم : إني أشجع فيك إيمانك ويقينك بالله، الذي جعلك تمتنع عن تعاطي هذه السموم في وقت الصيام، وإلا فمَنْ مِنَ الناس يعلم أنك صائم أو لا ؟! ولكن شعورك بنظر الله إليك، ومراقبته لك، صرفك عن تعاطي الحرام في وقت الصيام. فالإرادة التي استطاعت أن تصوم لأكثر من اثنتي عشرة ساعة، أتعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية؟! والعزيمة التي صمدت عن تعاطي هذا البلاء، لهذه الفترة الطويلة أثناء النهار . . أتنهار في آخر لحظات الإسفار، وإرخاء الليل الستار؟! أين الهمة التي لا تقف أمامها الجبال الشامخات؟ وأين العزيمة؟ استعن بالله تعالى على ترك هذا البلاء، فالنصر صبر ساعة، والفرج قريب، وإن الله مع الصابرين .
> 4- ورمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مقصرًا في نوافل العبادات: فيغير من حاله، ففي رمضان تتهيأ النفوس، وتقبل القلوب، فينتهز هذه الفرصة، فيحافظ على شيء منها، فهي مكملة لفرائضه، متممة لها، قَالَ : >إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلَّا قِيلَ انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ<(رواه ابن ماجة والترمذي والنسائي وأحمد).
وأقل الوتر ركعة، وأقل الضحى ركعتان، وعدد السنن الرواتب ثنتا عشرة ركعة، ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، يَقُولُ : >مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ<(رواه مسلم) .
ولماذا لا تجعل من رمضان فرصة، لأن يكون لك أيام تصومها لله رب العالمين فمن صام يوماً في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً، فهذه ستة من شوال، ويوم عاشوراء، وعرفة، وصوم الاثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر . فبادر شبابك قبل هرمك..وصحتك قبل سقمك.. وحياتك قبل موتك.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ : >كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ<(رواه البخاري ومسلم).
> 5- ورمضان فرصة للتغيير .. لمن هجر القرآن قراءة وتدبرًا، وحفظًا وعملًا: أن يكون هذا الشهر بداية للتغيير، فترتب لنفسك جزءًا من القرآن، لا تنفك عنه بأي حال من الأحوال، ولا تنس الفضل الجزيل لمن قرأ كلام الله، يقول النبي : >مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ<(رواه الترمذي).
ومن المفارقة العجيبة، أن يدرك أعداؤنا من عظمة هذا القرآن، ما لا ندركه، وأن يعملوا جاهدين علىطمس معالمه، ومحو آثاره في العباد والبلاد، لخوفهم الشديد من عودة الأمة إلى هذا القرآن الذي يؤثر في النفوس، ويحييها، ويبعث فيها العزة والكرامة، يقول غلادستون:’مادام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوربة السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان، وكان نشيد جيوش الاستعمار،كان نشيدهم :أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة، لأحارب الديانة الإسلامية، ولأمحو القرآن بكل قوتي’ . فما موقفك أنت يا رعاك الله؟ أدع الإجابة لك، وأسأل الله أن يوفقك للخير وفعله .
> 6- ورمضان فرصة للتغيير .. للمرأة المسلمة: التي أصبح حجابها مهلهلاً، وعباءتها مطرزة، وثيابها فاتنة، وعطرها يفوح، وفي كل يوم إلى الأسواق تروح . . قَالَ : >أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ<( رواه أبوداود والترمذي والنسائي والدارمي وأحمد) .
فليكن – يا أخية – رمضان فرصة لأن تربى نفسك على البقاء في المنـزل، وعدم الخروج منه إلا لحاجة ماسة، وبضوابط الخروج الشرعية، وليكن رمضان فرصة لضبط النفس في قضايا اللباس، والموضة والاعتدال فيهما، بدون إفراط ولا تفريط، وليكن رمضان فرصة للحفاظ على الحجاب الشرعي؛ طاعة لله، وإغاظة للشيطان وحزبه .
> 7-ورمضان فرصة للتغيير.. للرجل والفتاة اللذين عبثا بالهاتف طويلاً: تلاعبًا بالمشاعر والعواطف، وقد تكون البداية قضاء وقت فراغ، ثم يستدرجهما الشيطان للوقوع في الفاحشة البغيضة، فتقع المصيبة، وينكسر الزجاج فأنى له أن يعود مرة أخرى ! فاتق الله أيها الشاب، واتقي الله أيتها الفتاة، وليكن رمضان فرصة لتغيير المسار، والابتعاد عن الأخطار، وهتك الأعراض.
> 8- ورمضان فرصة للتغيير .. لمن تعود على حياة المترفين، ونشأ على حب الدعة واللين: أن يأخذ من رمضان درسًا في تربية النفس على المجاهدة والخشونةفي أمر الحياة، فربما تسلب النعمة، و تحل النقمة.
> 9-ورمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يتابع الأكلات، ويتتبع المطاعم فيوم هنا، ويوم هناك: حتى أصبح بطنه هو شغله الشاغل، ولم نخلق من أجل أن نسعد بطوننا، والطعام وسيلة لا غاية، فافهم هذا حتى تبلغ الغاية. وقلة الطعام توجب رقة القلب وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الطعام يوجب ضد ذلك . فعن عمرو بن قيس قال:’ إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب’ . وعن سلمة بن سعيد قال:’ إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله’. وعن مالك بن دينار قال:’ ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه’ . فليكن هذا الشهر المبارك بداية للتقلل من الطعام والاستمرار على ذلك على الدوام .
> 10- ورمضان فرصة للتغيير من أخلاقنا: فمن جبل على الأنانية والشح، وفقدان روح الشعور بالجسد الواحد، فشهر الصوم مدرسة عملية له، وهو أوقع في نفس الإنسان من نصح الناصح؛ لأنه تذكير يسمعه ويتلقنه من صوت بطنه إذا جاع، وأمعائه إذا خلت، وكبده إذا احترت من العطش، يحصل له من ذلك تذكير عملي بجوع الجائعين، وبؤس البائسين، وحاجة المحتاجين، فتسمح نفسه بأداء حق الله إليهم، وقد يجود عليهم بزيادة، فشهر الصيام شهر الجود والمواساة .
فرمضان مدرسة للقضاء على صفة الأنانية والشح، ومن ثم الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. قَالَ : >مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى<(رواه البخاري ومسلم-واللفظ له- ).
> 11- ورمضان فرصة للتغيير .. لمن كان قليل الصبر، سريع الغضب، أن يتعلم منه الصبر والأناة: فأنت الآن تصبر على الجوع والعطش، والتعب ساعات طويلة، ألا يمكنك – أيضاً – أن تعود نفسك من خلال شهر الصبر: الصبر على الناس وتصرفاتهم وأخلاقهم، وما يفعلونه تجاهك من أخطاء، وليكن شعـــارك الدائم : {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران : 134). وقول النَّبِيِّ : >مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ]رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجة وأحمد . فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا، والحلم والأناة دثارنا.
> 12-ورمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يأكل الحرام: من خلال أكل الربا، أو التلاعب في البيع والشراء، أو بيع المحرمات من دخان ومجلات فاسدة، ومعسل وجراك، أو بيع العباءات والنقابات المحرمة، أو الملابس الفاضحة من بناطيل نسائية، أو أشرطة غنائية، أو أشرطة فيديو، أو الأطباق السوداء؛ أن يغير من حاله، وأن يبدل من شأنه، وأن يدع أكل الحرام . فإن الله تعالى يحاسب على النقير والقطـمير، فحـذار أن تزل قدم بعد ثبوتها !!
وهل يسرك أن أهل الإيمان يرفعون أيديهم في صلاة التراويح يدعون الله، ويستغيثون به، ويسألونه من فضله، ويستجاب لهم ..وأنت ترد عليك دعوتك؟! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : >أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(المؤمنون : 51). وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ…}( البقرة : 172). ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ<(رواه مسلم).
وتذكر أنه لن ينفعك أن الناس فعلوا، أو أنهم يريدون ذلك، فكل واحد منا سيقف بين يدي الواحد القهار، ويسأله عن أعماله وأقواله الصغار، والكبار ..فمن سيقف معك في ذلك الموقف العصيب؟
> 13- ورمضان فرصة للتغيير .. للكُتاب الذين تأثروا بعدوهم: فنقول لهم: إن رمضان فرصة لهم للتغيير، فالكلمة أمانة، إنها مسؤولية.. نعم لمسؤولية الكلمة، لا لحرية الكلمة المتجردة من تعاليم ديننا. وخليق بأدبائنا وشعرائنا أن يتفق أدبهم مع أدب دينهم، وحري بالصحافة المسلمة أن تربأ بما ينشر على صفحاتها عما يتنافى مععقيدتنا الإسلامية وتراثنا . قال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}(الإسراء : 36).
فهل ترضى أن تكون أداة إفساد في الأمة ـ من حيث تشعر، أو لا تشعر ـ هل ترضى أن تنشر في الأمة ما يؤثر على دينها وسلوكها؟ قل لي بربك كيف تستسيغ أن تكتب بقلمك السيال ما يغضب ربك؟ كيف تتجرأ أن تكتب بقلمك الرفيع ما يدعو إلى نشر الفاحشة في الذين آمنوا؟ أو أن تضللهم، أو تزيف الحقائق عليهم؟ حري بك يا من آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً أن تسخر قلمك للصدع بكلمة الحق، والمجاهرة بالفضيلة، والدعوة إلى العفة والكرامة، حري بك أن تكون منافحاً عما يُراد بأمتك، حري بك أن تكون مكافحاً عما يخطط لأمتك .
> 14- ورمضان فرصة للتغيير .. للدعاة الذين فترت همتهم، وضعفت غيرتهم: فيستيقظوا من رقدتهم، وينتهزوا فرصتهم، بدعوة الناس إلى ربهم، والذهاب إلى أماكن تواجدهم وتجمعهم؛ لتذكيرهم بالله، وتخويفهم من ناره وجحيمه، وترغيبهم بجنته ونعيمه، والتفكير الجاد لمعرفة الأساليب المناسبة للإصلاح، وليتذكر الدعاة إلى الله فضل الدعوة إلى الله، والسهر من أجلها، والتفاني لها، وجزاء من تاب على أيديهم، يقول النبي …لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ] رواه البخاري ومسلم.
ليكن رمضان محطة روحية تبعث فينا روح الجدية، فيعد الداعية عدته، ويأخذ أهبته، فيكون دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعـداد أبدا، إن دعي أجـــاب، أو نودي لبى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه، وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له !!
> 15- ورمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مذنبًا ومسرفًا على نفسه بالخطايا والموبقات: فإذا به يسمع الأغنيات بأصوات المغنين والمغنيات، ويشاهدالقنوات بصورها الفاضحات، ويعاكس الفتيات، ويسهر على الموبقات، ويعاقر المنكرات، أن يسارع إلى الإنابة، ويبادر إلى الاستقامة،قبل زوال النعم،وحلـول النقم، فهنالك لا تقـال العثرات، ولا تستدرك الزلات {…وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور : 31). ويكفي التائبين شرفًا أن الله تعالى قال : {…إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة : 222).
فالتوبة..التوبة، فهي شعار المتقين، ودأب الصالحين، وحلية الصالحين، فبادر إليها في مثل هذا الشهر المبارك، فأبواب الجنة مشرعة، وأبواب النار مغلقة، ولله في كل ليلة عتقاء من النار، فاجتهد أن تكون واحدًا منهم.
وفي الختام ..
آن لثياب العصيان، أن تخلع في رمضان، ليُلْبس الله العبد ثياب الرضوان، وليجود عليه بتوبة تمحو ما كان من الذنب والبهتان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله وأصحابه، وعلى من سار على نهجهم، واقتفى أثرهم.