أبى إبليس اللعين أن يسجد لآدم فطرد من رحمة الله لعصيانه وعدم امتثاله لأمر الله جلت عظمته،فكان جزاؤه الطرد واللعنة .من هنا يجب أن ينتقم الإنسان لنفسه بكثرة السجود،والفرار من الله إلى الله،من عذاب الله إلى رحمة الله،من سخط الله إلى رضوان الله. من المعاصي والشهوات والآثام إلى الطاعات والقربات ،من العكوف بباب الخلق إلى العكوف بباب خالق الخلق .
تزود من الدنيا فإنك راحل
وسارع إلى الخيرات فيمن يسارع
فما المال والأهلون إلا وديعة
ولابد يوما أن ترد الودائـــع
ما ينفع الإنسان في قبــره
إلا التقى والعمل الصالـــح.
روى مسلم عن ربيعة بن كعب قال:أتيت النبي بحاجة فقال :سلني! قلت : أسألك مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت هو ذلك. قال : أعني على نفسك بكثرة السجود”،وروى ابن ماجه مرفوعا بإسناد صحيح :”استكثروا من السجود”.
وكثرة السجود من شيم الصالحين،وخصوصا في جوف الليل والناس نيام، وباب الله جل وعلا ليس عليها زحام، ساعة ينزل فيها ربنا وتعالى إلى سماء الدنيا يعرض عليك رحمته،ويستجيب دعاء السائلين،ويقضي حوائج المحتاجين ويغفر للمسيئين ويعافي المبتلين، أفتكون مستغنيا وفي فراش غفلتك نسيا منسيا؟! تضيع دقائق الليل الغالية في الغفلة عن الله وعن ذكر الله، ألست مذنبا ترجوا مغفرة الذنوب؟! ألست مريضا تريد من يعافيك؟! ألست فقيرا تريد من يرزقك؟! ألست ضعيفا ومتحيرا وضالا تريد رحمة الله؟! ألست ألست…؟!.
ولله در قوم باعوا أنفسهم لله،وقرعوا بابه فإذا هو مفتوح،وواصلو البكاء فالجفن بالدمع مقروح،وقاموا في غسق الليل قيام من يبكي وينوح، وماتت نفوسهم وتساوى عندهم المذموم والممدوح…
فقم أخي في جنح الظلام تتورم منك الأقدام، واقفا على عتبة الذل والانكسار، والاضطرار والفرار إلى الواحد القهار، سائلا ومستغفرا وتائبا، ومن طلب العلا سهر الليالي، ومن لا ليل له فلا نهار له كالماضي إلى الهيجا بغير سلاح، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم رهبانا بالليل فرسانا بالنهار. عن أبي أمامة ] قال : قيل لرسول الله “أي الدعاء أسمع؟ قال :جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات”(رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).
“وروي أن الجنيد رحمه الله رأي في المنام بعد موته،فقيل له ما الخبر أبا القاسم؟ قال : طاحت تلك العبارات، وفنيت تلك الإشارات، وما نفعنا إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل”(1).
روى الحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا : يقول ربكم عز وجل : “يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك نورا وغنى، وأملأ يديك رزقا. يا ابن آدم لا تباعد مني أملأ قلبك فقرا، وأملأ يديك شغلا”. وروى ابن ماجة والترمذي، واللفظ له وقال حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله : {من كان يريد حرث الآخرة}(الشورى : 20)، ثم قال : “يقول الله : ‘يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك’”.
وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه مرفوعا : “ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبيها ملكان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى”.
فَفِرَّ أخي إلى ربك واعكف ببابه وانكسر وافتقر إليه،ومن لزم الباب فتح له.عساه أن يتداركك برحمته وعفوه فتكون من الفائزين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم. ما قيمة الأعمال عند الله؟ إن لم ينظر إلينا ربنا بعين الرحمة والرأفة. فمهما صلينا وصمنا واتقينا الله فإننا لا ننفع بذلك إلا أنفسنا، ولا نستطيع أن نؤدي بذلك شكر نعم الله علينا، ولا نستطيع أن نؤدي ولو ذرة من نعمه سبحانه المتوالية.
د. أبو اليسر رشيد كهوس
———
1- ذكر هذا الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه:”أيها الولد المحب”،ص:158ـ159،ط:الأولى1423/2003.دار الرشاد الحديثة ،الدار البيضاء/ المغرب.