يبدو أن المجتمع المغربي بدأ يدخل في دورة اجتماعية جديدة، بدأ خُبثها يطفو على السطح من حين لآخر. فمجموعة من الظواهر التي كان لا يُتصور ظهورها في مجتمع دينُه الإسلام وقائده محمد ، بدأت تطل بوجهها القبيح سافرة تعلن التحدي لكل ما تعارفنا عليه من قيم دينية وعادات اجتماعية وتقاليد أسرية أصيلة…
فبعد عَبَدة الشيطان ومحاولة عقد مؤتمر للشواذ بمراكش، ضبطت الشرطة خلايا نشطة للشواذ في بداية يونيو الحالي في تطوان، وما يهمنا ـ في هذاالمقام بالدرجة الأولى ـ هو تلك التغطية الحولاء لبعض وسائل الإعلام للقضية، ومحاولة تسويغها وتفسيرها: فذهب بعضهم إلى أن أسبابها نفسية اجتماعية، وكأن المشاكل الاجتماعية طارئة علينا، وذهب البعض إلى أنها سياسية وكأننا كنا ننعم بجنة الشورى والديموقراطية والشفافية، وفجأة انقطعت عنا نعمها الظاهرة والباطنة، ثم هناك من أرجعها إلى التهميش والإقصاء… ، بل ذهب البعض إلى أنه ( ينبغي تأمين وقاية للشواذ من الأمراض الجنسية وصد ما يمكن من ممارسات اضطهادية بحقهم) وأن ( الممارسة الجنسية المِثْلِية تسعى ـ فقط ـ إلى تغيير النظر إلى الجسد وحقوق مِلكيته) وأن ( التعبير عن الحرية الجنسية ليس جنوحا وإفراطا) لذلك ( لا ينبغي إقصاء هؤلاء داخل المجتمع المغربي) لأن المجتمع ـ حسب زعم أحدهم ـ (يتقبل ظاهرة العلاقات المثلية عندما تنشط بشكل سري، لكن بمجرد أن تظهر بشكل علني ينقلب موقف المجتمع ليتعامل معها بالإقصاء والرفض والعقاب).
إن من يسمع مثل هذا الهَذَر يظن أنه عبارات مترجمة لبعض مفكري الغرب الشاذين عن الفطرة، لكنها ـ للأسف ـ تصدر عن أناس يُفترض فيهم الانتماء إلى المرجعية الإسلامية التي أسست مفاهيم الأمة وأطرت فكرها وأخلاقها وقيمها، إن هذا المنطق رأى كل الأسباب إلا السبب الحقيقي الكبير الذي يقول فيهالصادق الأمين:”… لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، فلولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم” ” رواه ابن ماجة، صدقت يا رسول الله ، فالشواذ يمثلون أكثر من 65 0/0 من المصابين بالسيدا ، ناهيك عن أمراض أخرى.. وصدق الله العظيم إذ يقول : {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعضَ الذي عملوا لعلهم يرجعون } (الروم :41).
إن الفساد ينطلق من قاعدة سياسية وأخرى ثقافية فكرية، ولذلك لا نشك أبدا في أن وراء ظهور مثل هذه ( الفطريات الضارة) خطةٌٌ قد تكون أطرافها داخلية، والأرجح أنها خارجية، خطة تبغي تغيير المناخ الثقافي والعقدي والأخلاقي للأمة، وربطها بالغرب ومفاهيمه التي أصبحت تقتحم علينا بيوتنا دون استئذان، أضف إلى ذلك إصرار البعض من بني جلدتنا على الأخذ بالأساليب الغربية المنطلقة من قاعدة الحرية المطلقة، والتخلي عن قيمنا ومفاهيمنا المنطلقة من مرجعيتنا الضابطة للغريزة على المنهج الوسط الذي يتوخى عدم الإفراط أو التفريط والذي يؤكد على خط الاستقامة {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا، إنه بما تعملون بصير} هود:112، فالآية تشير إلى الضغوط والإغراءات التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي تنبيه إلى خطورة منطق التسويات الذي يحاول الكثيرون أن يخاطبوا به المسلمين، ليؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعضه، إن القرآن يطلب منا أن نكون حاسمين أمام من يريد أن يربك الموقف الإسلامي، وقد نجد صدى هذا الإرباك عند بعض من ينادي بالتعامل ( العلمي ) مع ظاهرة ” قوم لوط” وكأن التعامل الإسلامي ليس علما.. بل هو أب العلم، لا بل هو الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إن الشذوذ الجنسي من أكبر المحرمات في الإسلام إلى جانب الزنا والوسائل المفضية إليه، فهذا العمل الخبيث انتكاسٌ في الفطرة وانغماس في حمأة القذارة وإفساد للرجولة وجناية على حق الأنوثة. وانتشار هذه الخطيئة القذرة في جماعة يفسد عليهم حياتهم ويجعلهم عبيدا لها وينسيهم كل خلق وعرف وذوق ( الحلال والحرام في الإسلام،د/القرضاوي،ص165).
وحسبنا ما ذكره القرآن الكريم عن قوم لوط الذين ابتكروا هذه الفاحشة القذرة {أتاتون الذُّكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون }( الشعراء:165)، ودمغهم القرآن بالعدوان والجهل والإسراف والفساد والإجرام ، لأنه اعوجاج في الفطرة وفقدان للرشد وانحطاط للأخلاق وفساد للأذواق يتناقض جذريا مع فلسفة الإسلام في تنظيم الغريزة الجنسية.
وأخيرا : فليحذر الذين يريدون إطلاق العنان لمثل هذه الفوضى في القيم لكي تسبح وتمرح أين وكيف شاءت بلا حدود توقفها، ولا روادع تردعها من دين أو خلق أو عرف …
وليحذر كل من يريد فتح منافذ الفتنة على الرجل والمرأة ويغري بالفاحشة أو يقرب منها أو ييسر سبيلها . فإذا كان معظم النار من مستصغر الشرر ـ كما يقول الشاعرـ فما بال البعض يُسوِّغ لأكبر الشر والشرر .
قال تعالى :{ إن الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فبشرهم بعذاب أليم}