< الحل الإسلامي هو الحل الوحيد لمشكلات الحضارة الحديثة
< لماذا ينبهر بعض المثقفين في الشرق بـأفكار الغرب البائدة
< الانهيار الأخـــلاقي فـــي الغـــرب خلف أزمــة حضــارية
< للـمسلمين فــــي الغــرب دور كبيـــر.. ولكن بـشـــروط
الكتاب : خواء الذات والأدمغة المستعمرة.
المؤلف : د. مراد هوفمان.
تعريب: عادل المعلم- نشأت جعفر.
مكتبة الشروق الدولية.
الطبعة الأولى 1422هـ/2002م.
اتجهت كتابات الدكتور مراد ويلفرد هوفمان منذ تحوله إلى الإسلام في الثمانينات من القرن الماضي نحو إيجاد صيغة عقلانية للدعوة إلى الإسلام، لا تخل بجوهره وفي الوقت ذاته تناسب العقلية الغربية المثقفة التي ينتمي إليها، ولكن الملاحظ أن الكتاب الذي بين أيدينا وهو كتاب (خواء الذات والأدمغة المستعمرة) قد أخذ على عاتقه التوجه بالحديث إلى المثقفين الغربيين والمسلمين على حد سواء.
والكتاب يعد الكتاب الخامس من أعمال هوفمان الفكرية التي ترجمت بعد إسلامه إلى العربية -هذا إذا استثنينا كتابه الأول مذكرات ألماني مسلم؛ فهو من الأعمال الخاصة- فقد سبق أن قام الدكتور هوفمان بعرض مشروعه الدعوي في كتبه : الإسلام كبديل – الإسلام عام 2000 – الطريق إلى مكة – الإسلام في الألفية الثالثة.
وهو في هذا الكتاب يستعرض أهم المسارات الفكرية في العصر الحديث؛ مثل الشيوعية والاشتراكية والليبرالية، حيث يعرض بصورة سريعة ومضات تاريخية وخلفيات فلسفية تساعد على فهم العلل التي عانت منها هذه المسارات الفكرية الرئيسة منذ نشأتها وحتى الآن، وعلى الرغم من أن هوفمان يؤمن بخطورة المأزق الحضاري الذي يعاني منه الغرب الآن من جراء هذه العلل؛ إلا أنه يتوجه للمسلمين بدعوة جريئة للاستفادة من الجوانب المضيئة في الحضارة الغربية حين يقول : “دعونا لا نرفض الحضارة الغربية من الألف إلى الياء، فهناك الكثير الذي يمكن أن تنبناه منها، ولكن أستحلفكم بالله، دعونا نأخذ منها أفضل ما فيها”.
كما يقوم الكتاب بالغاية الرئيسة منه في العرض الإسلامي النموذجي الذي يوجد الدواء لكل المشكلات التي عانى منها الفكر المادي على كافة مستوياته وبكل أشكاله؛ وليس الفكر المادي الغربي فقط في العصر الحديث.
وهيكليا؛ يقع الكتاب في مقدمة قصيرة وثلاثة أجزاء رئيسة؛ الجزء الأول بعنوان (زيف الشيوعية)، والثاني يتحدث فيه عن الحضارة الغربية وهو بعنوان( زيف الحداثة)، والثالث وهو أكبر أجزاء الكتاب (الإسلام: الإجابة والحل)؛ وهو يعد الهدف الرئيس من تأليف الكتاب.
وإذا كان مالك بن نبي قد انتبه إلى أثر الاحتلال في الفكر الإسلامي في البلاد المستعمرة في كتابه (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة)؛ فإن هوفمان يعتبر أن انتهاء الاحتلال – من الوجهة الرسمية – أدى إلى الاستقلال السياسي لمعظم الدول المحتلة في جميع أنحاء العالم.
لكن الحقيقة المرة – من وجهة نظره- أن المفكرين العلمانيين في العالم الثالث (بما في ذلك البلاد العربية والإسلامية) عملوا لاستقلال بلادهم من داخل حدود الحضارة الغربية، وبهذا اكتملت الحلقة النهائية لاستعمار الأمة بمجرد استقلالها.
وهو يستغرب أن تستمر المستعمرات “سابقا” في الافتتان بالاشتراكية والحداثة الغربية، كما لو لم تكن كل منها فقدت مصداقيتها في الغرب منذ زمن بعيد، في حين يؤكد أن عملية الاختراق المسماة بالعولمة، لا تتعلق باختراق حدود جغرافية، ولكن بـ(السيطرة على العقول).
الشيوعية وفساد الأفكار :
وفي الجزء الأول من الكتاب والذي خصصه عن الشيوعية يؤكد على أن الشيوعية لم تكن مجرد فكرة طيبة ساء تنفيذها، بل كانت فكرة سيئة منذ البداية، فالأشد سوءا في الفكر الشيوعي هو الدافع الماركسي للصراع الطبقي، والذي يتمثل في الحسد والكراهية… وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن للعالم أن يحيا حينما تصبح هاتين الفكرتين السلبيتين هما العاملين الرئيسين للتغيير؟!
وهو يتتبع بكل دقة ووعي ما كان ينبغي أن تكون عليه الإمبراطورية الشيوعية وفق الفكرة الجهنمية، وما آلت إليه هذه الدولة بسبب نفس الفكرة. وقد اختلف الكثيرون حول الأسباب الحقيقية لسقوط الاتحاد السوفيتي لكن السبب الرئيس في رأي هوفمان هو (انهيار الأخلاق).
ومن ثم كانت الشيوعية خلال القرن العشرين باستثناء السنوات العشر الأخيرة أكبر تهديد لحقوق الإنسان ورفاهيته الاجتماعية، ومن هنا كانت الغرابة أن تجد بين مفكري الغرب والشرق حتى الوقت الراهن من تفتنهم الأفكار الشيوعية.
وتتميز وضوح الفكرة الشيوعية/الاشتراكية في كتاب الدكتور هوفمان لامتلاكه أدوات البحث في هذا الجانب؛ ويأتي ذلك لعدة أسباب: (الأول) أن مؤسسي الشيوعية نشروا معظم أعمالهم باللغة الألمانية؛ اللغة الأم للمؤلف. و(الثاني) نشأة المؤلف في ألمانيا المقسمة بالحائط والسور الشيوعي جعلت دراسته للشيوعية أمرا حتميا. أما (الثالث) فهو ما صرح به المؤلف نفسه بأن جزءا من تدريبه كدبلوماسي ألماني اشتمل على دراسة عميقة للمادية الجدلية والمادية التاريخية على أساس المناهج الشيوعية المطبوعة في ألمانيا الشرقية.
الحداثة والوجه الآخر للإلحاد :
ويؤكد هوفمان في الجزء الثاني من كتابه أن كلا من المشروع الشيوعي والمشروع الغربي (الحداثة) يشكوان من نفس العرض؛ ولكن إذا كنا رأينا العواقب المدمرة للإلحاد المادي في العالم الشيوعي/الاشتراكي، فالسؤال هنا: لماذا لم يعاني الغرب من نفس العواقب؟
والإجابة المفسرة لهذا الوضع هو أن الإلحاد في الغرب يختلف عن شقيقه في الشرق، وهذا لا يعني أن المادية في الغرب ليست لها مظاهر مدمرة، بل هي فقط ذات طبيعة مختلفة.
فقد أمسك زمام الإلحاد في الغرب تقليد ليبرالي (ديمقراطي إنساني)، يتمر كز حول فكرة الإنسان الحر المسئول، غذى هذا التقليد ثقافة (حكم القانون) والتي ساعدت – بقدر عظيم – على حماية المواطنين من تسلط الأنظمة الإلحادية، أما عواقبه المادية عند الغرب؛ فهي الهدونيزم (عبادة اللذة).
وإذا كانت المادية/الإلحاد في الشرق كان يمثل العمود الفقري للدولة الحاكمة في المعسكر الشرقي؛ فإن الإلحاد العلمي في الغرب لم يكن تيارا رئيسا داخل المؤسسة العلمية؛ فالعلم في الغرب جعل الناس يتذبذبون بين ثلاثة مستويات عقدية وهي الإلحاد واللاأدرية والإيمان بدين.
وبناء على ذلك فقدت المادية – على حد تعبير هوفمان- أرضا لصالح الدين، وهذا ما لم يكن مطروحا في المعسكر الشيوعي الذي كان ينظر إلى الدين على أنه أفيون الشعوب.
وبوصف المؤلف مثقفا غربيا فقد تتبع الحركة العلمية في الغرب وعلاقتها بالإلحاد اقترابا وابتعادا في عدد من الجوانب، كالعلوم الاجتماعية، والتي جاءت أفكارها كرد فعل للنكسة الميتافيزيقية للعلوم الطبيعية التي وصلت إلى ذروتها في قفزات هائلة في القرن العشرين؛ فلقد توقع العلماء في الغرب أن تجيبهم العلوم الطبيعية على كل الأسئلة الكبرى عن العالم واستمراره، وكيف يعمل الوعي الإنساني, والحياة، والجاذبية، ومكونات الذرة، وبداية العالم ومستقبله…إلخ؛ وعندما لم يحدث أي من ذلك، بدأت الشكوك والتساؤلات عن الحداثة نفسها.
كذلك تتبع هوفمان الحركة العلمية في القرن العشرين وعلاقتها بالدين؛ فتحدث عن الفيزياء الجديدة، وفيزياء الأجزاء المتناهية الصغر، وفيزياء الأجزاء الضخمة (الفلك)، والنسبية، والأفلوطينية الجديدة، وعلم الأحياء وعلم النفس، وأبحاث المخ… إلخ.
دين ما بعد الحداثة :
ويعتبر هذا العنوان وما تحته في كتاب الدكتور هوفمان الأهم من بين أقسام جزئيه الأول والثاني؛ وذلك لعدة أسباب: الأول: أن هذا الجزء يعتبر الواقع المعاش حاليا في الغرب؛ والذي يتم تصديره للمستغربين في بلادنا للسير على منهجه.
الثاني : أن العالم العربي والإسلامي لم يسلم من آثاره، ولا تعتبر الأزمات الراهنة في الشرقين الأوسط والأدنى؛ مثل: القضية الفلسطينية أو المشكلة العراقية، والقضية الأفغانية، والحرب على الإرهاب… إلا انعكاس وتطبيق لهذا الدين المتفلت.
الإسلام (الإجابة والحل) :
لقد حاول المؤلف في عرضة للشيوعية ثم ومشروع الحداثة وما بعدها أن يلفت نظر المستغربين والمنبهرين بسلبيات الغرب ونقاط ضعفه في الوقت الذي يتجنبون إيجابياته ويتغافلون عن الإسلام وما يحتويه من عظمة.
وهو في هذا الجزء لا يعرض بعض جوانب الإسلام عرضًا تقليديًّا، ولا ينطلق من منطلق الدفاع عنه تجاه ما يتعرض له من صور عدائية، بل يطرحه باعتبارهالبديل الضروري والأفضل ممّا يعتنقه المجتمع الغربي من تصوّرات في مختلف الميادين.
لقد تحدث في هذا الجزء عن الإيمان بالله؛ فعرض قضية وجود الله وذاته، كما أكد على أن الفلسفة الإسلامية كانت تمثل الفلسفة غير الميتافيزيقية والتي تبدأ بحثها بعد الإيمان بالله ورسله وليس قبل ذلك، كما عرض عدد من القضايا الأخرى كالإيمان بالرسالة والقرآن الكريم.
ثم تحدث عن المعرفة العلمية في الإسلام؛ وعرض عرضا ميسرا لجوانب من التاريخ العلمي في الإسلام مقارنة بالتاريخ الغربي في العصور المظلمة، و لم يغفل الجهود الرامية لأسلمة العلوم في الوقت الراهن، كما تعرض الكاتب لنقطة في غاية الأهمية وهي أن المسلمين- وربما عنى بذلك الأصوليين- لا يعترضون في حقيقة الأمر على النهضة العلمية الأوروبية لكنهم يعترضون على الخداع المصاحب للعلم، فهم متفقون مع ما يقوله لويس باستور بأن : “القليل من العلم يأخذك بعيدا عن الله، لكن الكثير منه يأخذ بناصيتك إليه”.
وأيضا لم يغفل الكتاب في هذا الجزء الحديث عن العلم الطبيعي وتجانس الفكر الإسلامي مع الاكتشافات العلمية الحديثة بما يمثل إعجازا علميا للقرآن والسنة وأيضا كما لا ينسى الإشارة إلى رأي الإسلام حول بعض أفكاره التي تعتبر خاطئة بالنسبة له مثل قانون السببية (العلية).
الإسلام يحافظ على إنسانية الإنسان :
وتأتي نهاية الكتاب لتتحدث عن العلوم الاجتماعية والكشف بأن مشكلة العلوم الاجتماعية الغربية تكمن في أنها تقوم على أساس مقدمات زائفة عن طبيعة البشر، جلبتها من المادية المبثوثة داخل العلوم الطبيعية.
إن هدف الإنسان من حياته، من منظور الإسلام، هو معرفة الله وتوجيه الحمد له، والانقياد لهديه.. فالرؤية الإسلامية لا ترى أن الإنسان قد (ألقي) به إلى الوجود بشكل تراجيدي (على غرار هايدجر)، أو أنه قد ضل طريقه داخل القنوط الوجودي(على غرارسارتر)، أو أنه حيوان ذو ذكاء تتحكم فيه أدنى غرائزه(على غرار فرويد)، أو سطوة شهوة القوة (على غرار نيتشه)، إنه بدلا عن ذلك خليفة عن خالقه، تنفجر منه العزة والأمل في الحياة الآخرة.
إن التناقض بين الصورة الإسلامية عن الإنسان وصورته التي تعتنقها العلوم الاجتماعية الغربية، لا يمكن تجاوزه، فلا مكان للحلول الوسطى أو التصالح بين هاتين الصورتين.
كما يتحدث الكتاب في مقارنات في مجال الأخلاقيات الإنسانية؛ كالاقتصاد الإسلامي ذو الوجه الإنساني في مقابل مذهب المنفعة المادية في الغرب، وعن الانعتاق الإسلامي في مقابل عبودية اللذة في الغرب، والانحياز للحياة والطبيعة في مقابل الصراع الغربي معها، والتكامل في الجنس والنظرة الإسلامية المعتدلة في هذا الجانب، ونظرة العالم الغربي التي اتسمت بالتأرجح مثل البندول بين نهايتين متطرفتين؛ بين النجاسة الفطرية للجنس، مثلما بشر القديس بولس، على هيئة مانوية خاصة، وطبقا لسياسة الكنيسة الرسمية لمدة طويلة من الزمن، وبين التحررية الجنسية، مثلما تبشر به الثورة الجنسية في القرن العشرين.
وفي النهاية يعرب في سياق كتابه عن أمله في فهم الغرب للإسلام فالمسلمون في الغرب عندما يتجاوز نظرهم حدود مسجدهم، فهم على شفا الدخول إلى المسرح السياسي كلاعبين لا يطلبون أشياء فقط، بل يملكون شيئا ليقدموه للمجتمع مثل:
- التحويل الروحاني من المادية إلى مثالية الخوف من الله.
- إنقاذ الأخلاق من كل شيء يجوز، إلى التمسك بالأوامر الإلهية.
- التضامن الاجتماعي بديلا للفردية المتطرفة.
- الدفاع عن الأسرة.
- انعتاق المرأة بدون الاستغلال الجنسي.
- النضج البيئي بدلا من الاستغلال المنفلت للطبيعة.
- اقتصاد ذو سحنة إنسانية، بدلا من الاستغلال الرأس مالي.
أما فيما يتعلق بمثقفي العالم الإسلامي فيتوجه الكاتب بتذكيرهم بالدور الكبير الذي يقع على عاتقهم؛ وهو أن يكونوا أكثر تصحيحا في الدفاع عن التراث والعقائد الخاصة بهم، فإذا أحس المسلمون في الغرب بامتلاك المبررات التي تكفل لهم معارضة مادية ولا أخلاقية الحضارة الغربية، فما بالك بالكثرة الوافرة من المبررات التي لدى المسلمين القابعين في أرض الإسلام؛ لإزاحة الثمار الضارة للإرث الاستعماري بعيدا عن أهلهم.
حينئذ سوف تتمتع الدول الإسلامية بالحرية الحقيقية، عندما يتمكن قادة الفكر لديها من فك رقابهم من الانبهار غير القابل للنقد بكل شيء غربي، وأن يعودوا للاغتراف من المصادر الثرية للثقافة الإسلامية الخاصة بهم.
وعلى هذا فإن أهم مميزات الكتاب تكمن فيما يلي:
1- يكشف الكتاب للمثقف العربي والمسلم في الشرق المنبهر بالحضارات المادية الشرقية منها والغربية سلبياتها القاتلة في حين لا يغفل أهميتها ودورها في التقدم الإنساني في كثير من جوانب حياته.
2- كما يطرح الكاتب أفكاره على المثقف الغربي باللغة التي يفهمها، ويقدم له الدواء لما يعاني منه من أمراض وويلات جرت عليه القلق ودفعته إلى الانتحار، وهذا الدواء هو الإسلام.
3- يشتم من الكتاب الثقافة الواسعة للمؤلف التي جعلته يتابع الحركة الفكرية في العالم العربي والإسلامي بشكل دقيق ونقدي -وصفه عالمه العقدي-على نفس المستوى الذي يتابع به الحركة الغربية التي ينتمي إليها جغرافيا وثقافيا.
4- التركيز الشديد سمة الكتاب الرئيسة مما يجعل الكثير من موضوعاته التي أشار إليها في عناوينه وعباراته المقتضبة مجالا مفتوحا للبحث والكتابة بصورة أوسع للمؤلف وغيره من الكتاب، فالكتاب يفتح آفاقا تأمليه تجعل للقاريء شخصيته المتميزة وفق ثقافته التي يختلف بها عن الآخر، مما يجعل قراءته قراءة إنتاجية إبداعية لا مجرد قراءة استهلاكية فقط. فلغة الكتاب في أحيان كثيرة تكون لغة تلغرافية ومركزة؛ حيث تحمل أقل الألفاظ الممكنة أكبر المعاني الممكنة.. ولهذا قال الدكتور هوفمان عن كتابه إنه “يخاطب الأكاديميين الأذكياء”.