كثيرة هي المفاهيم والأفكار التي تحتاج منا إلى إعادة النظر فيها بالتصحيح أو بالإحياء، لن أدخل في تفصيلاتها لأني لا أجرؤ على ذلك، لأنها من صميم عمل المختص، لكني انطلاقا من مسؤوليتي الثقافية والإنسانية والحضارية أبث هموما تؤرقني. وأقدم إشارات وتساؤلات يمكن التقاطها من أجل التعمق فيها وتقديم القول الفصل المبرهن فيها. من ذلك مثلا وظيفة التفكير. فثمة آيات قرآنية كثيرة تحث على التفكير والتفكر واستخدام العقل والتدبر في كل شأن من شؤون الحياة الفردية أو الجماعية أو الكونية. يقول تعالى : {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون}(البقرة : 219)، {فاقصص القصص الحق لعلهم يتفكرون}(الأعراف : 176)، {أو لم يتفكروا في أنفسهم}(الروم : 8)، {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}(البقرة : 242)، {يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وما يذكر إلا أولو الألباب}(البقرة : 269). وغير ذلك من الآيات التي تجعل من مفهوم التفكير ووظيفته وسيلة لفهم الذات الإنسانية والحقيقة الكونية فهما حقيقيا. فما بال أقوام انحرف عندهم مفهوم التفكير ووظيفته وأصبح لا يعني سوى التفكر في الملذات والشهوات المحرمة، أو بث تفكير يهز ثقة الأمة بذاتها وبانتمائها، أو الحث على التعامل مع أصول دين الأمة ومرجعياتها الثابتة بالقرآن والسنة باستهانة أو غير ذلك من التشوهات التي أُحدثت في مفهوم التفكير، أليس الأحرى بنا أن نسترجع المفهوم القرآني للتفكير وتفعيل الآيات الدالة عليه في حياتنا كتفعيل آية {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}(الحجرات : 6) للتثبت والتحري المنضبط بالعقل في كل شأن من شؤون حياتنا. أليس الأجدر لنا أن نستعيد التفكير في قوله تعالى : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد : 11) من أجل مجاهدة النفس في الشرود الذي يعتري تفكيرنا. وينعكس على ممارساتنا، شرود عن الحق يجعلنا نُصاب بالتشتت الفكري والمادي أيضا. كذلك هناك مفهوم آخر انحرف عن سياقه ودلالاته هو مفهوم التوبة، فالتوبة بالنسبة للمسلم تصحيح مسيرة إسلام الإنسان وتجديد الصلة بالله عز وجل، يقول تعالى : {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما}(النساء : 17).. كما أنها دعوة متجددة طول حياة الإنسان يستقبل فيها الله تعالى التائبين من عباده برحمته ومغفرته {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}(طــه : 82). لكن التوبة التي يجدد بها المسلم علاقته مع الله في كل صلاة تصبح في مفهوم الفضائيات العربية وبعض الكتابات الشائعة المحسوبة على الأدب والجمال بما تقدمه من ثقافة مكشوفة وقيم فاضحة توبة منكل توبة قد تعتري الإنسان في لحظة من لحظات التقرب إلى الله. ولم تعد التوبة فاعلة في حياة الأمة يجدد بها المسلم إسلامه ويتقوى على مواجهة الركود والتخلف والانغماس في حمأة الملذات المحرمة والواقع المفروض علينا بزيفه وانحطاطه. وإنما التوبة أصبح لها مدلول التعايش مع الرذيلة والتجرد من مخلفات الماضي بما فيها المقدسات. مفاهيم وأفكار أُفرغت من مدلولاتها الحقيقية وانحرفت عن مسارها الطبيعي لتقف شاهدة على مصيبتنا {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}(الشورى : 30)، وعلى ابتعادنا عن منهج قرآننا، فهل من سبيل إلى تجديد وإحياء؟؟.