ضرر الخلوة بالـمخـطـوبـة
من المعلوم أن الشرع الحكيم قد حرم الخلوة بالمخطوبة، لأنها محرمة على الخاطب حتى يعقد عليها.
ولم يرخص ديننا الحنيف للخاطب الخلوة بمخطوبته، بل أباح له النظر إليهاوكفى، لأن خلوته بها قد ينتج عنها لا محالة انتهاك حرمات الله عز وجل، نعم إن وجد محْرم جازت الخلوة لامتناع وقوع المعصية مع وجوده.
فعن جابر ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محْرَمٍ منها فإن ثالثهما الشيطان”.
لكن نرى في زمننا هذا كثيرا من الناس يتهاونون في هذا الأمر الذي حذر من وقوعه ديننا العظيم فيسمح لابنته أو قريبته أن تخالط خطيبها وتخلو معه دون رقابة، وتذهب معه حيث يريد وحيث يشاء دون حياء ولا استحياء.
وقد يترتب عن هذا الأمر بالتأكيد، تعرض المخطوبة لضياع شرفها وفساد عفافها، واهدار كرامتها، وقد لا يتم الزواج فتكون قد أضافت إلى ذلك فوات الزواج منها.
وعلى العكس، من هذا الأمر نجد طائفة متحجرة لا تسمح للخاطب أن يرى بناتها عند الخطبة، وتأبى إلا أن يرضى بها، ويعقد عليها دون أن يراها أو تراه إلا ليلة الزفاف.
وقد تكون الرؤية وقته مفاجئة لهما غير متوقعة، فيحدث ما لم يكن في الحسبان من التنافر والشقاق والفراق.
وهناك طائفة أخرى تكتفي بعرض الصورة الشمسية للمخطوبة وهي في الواقع لا تدل على شيء يطمئن إليه البال ويرتاح إليه الخاطر لأن ذلك لا يصور الحقيقة تصويراً دقيقا.
وخير الأمور هو ما جاء به الإسلام، فإن فيه الرعاية لحق كلا الزوجين في رؤية كل منهما للآخر، مع تجنب الخلوة، حماية للشرف وصيانة للعِرْض.
العدول عن الخطبة وأثره
الخطبة مقدمة تسبق عقد الزواج، وكثيرا ما يعقبها تقديم المهر كله أو بعضه وتقديم هدايا وهبات، تقوية للصلات، وتأكيدا للعلاقة الطيبة بين أهل الخاطب وأهل المخطوبة.
وقد يحدث أن يعدل الخاطب أو المخطوبة أو هما معا عن إتمام العقد، فهل يجوز ذلك؟ وهل يرد ما أُعْطِيَ للمخطوبة؟
إن الخطبة كما هو معلوم مجرد وعد بالزواج وليست عقدا ملزما، والعدول عن إنجازه حق من الحقوق التي يملكها كل من المتواعدين، ولم يجعل الشارع لخلاف الوعد عقوبة مادية يجازى بمقتضاها المخْلِف، وإن عد ذلك خلقا ذميما ووصفه بأنه من صفات المنافقين، إلا إذا كانت هناك ضرورة ملزمة تقتضي عدم الوفاء.
ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : “آية المنافق ثلاثة: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان”.
ذلك أن أدب الوعد في الإسلام يلزم المسلم الوفاء بالموعود ما أمكنه، ويطلب منه إتْمامه لقوله تعالى: {وأوفوا بالعَهْدِ إنّ العَهْدَ كَانَ مَسْؤُولا} (الإسراء: 34) وقوله صلى الله عليه وسلم: “اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضْمَنُ لكم الجنة: اصدقوا إذا حدَّثْتُم وأَوْفُوا إذا وَعَدْتُم، وأدّوا إذا ائْتُمِنْتُم، واحفظوا فروجكم وغُضُّوا أبصاركم وكُفّوا أيْدِيكُم” (رواه أحمد).
ولما حضرت الوفاة “عبد الله بن عمر” قال انظروا فلانا “لرجل من قريش” فإني قد قلت له في ابنتي قولاً كشِبهِ العِدَةِ، وما أحب أن ألقى الله بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته.
هذا وإن ما قدمه الخاطب من المهر فله الحق في استرداده، لأنه دفع في مقابل الزواج، وعوضا عنه، وما دام الزواج لم يوجد، فإن المهر لا يُستحق شيء منه ويجب رده إلى صاحبه، إذ أنه حق خالص له.
وأما الهدايا فحكمها حكم الهبة، والصحيح أن الهبة لا يجوز الرجوع فيها إذا كانت تبرعا محضا لا لأجل العوض، لأن الموهوب له حين قبض العين الموهوبة دخلت في ملكه، وجاز له التصرف فيها، فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه، وهذا باطل شرعا وعقلا.
فإذا وهب ليتعوض من هبته ويثاب عليها فلم يفعل الموهوب له، جاز له الرجوع في هبته، وللواهب هنا حق الرجوع فيما وهب، لأن هبته على جهة المعاوضة، فلما لم يتم الزواج كان له حق الرجوع فيما وهب، والأصل في هذا: ما رواه أصحاب السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَحِلُّ لرجل أن يُعطي عطية، أو يَهَبَ هِبَةً فيرجع فيها إلا الوالد فيما يُعطي ولده”. وعن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : “من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثبت منها” أي يعوض عنها. وعند الإمام مالك رحمه الله في هذه القضية تفصيل بين أن يكون العدول من جهته أو جهتها: فإن كان العدول من جهته فلا رجوع له فيما أهداه، وإن كان العدول من جهتها فله الرجوع بكل ما أهداه، سواء أكان باقيا على حاله، أو كان قد هلَكَ، فيرجع ببدله إلا إذا كان عُرْفٌ أو شرط فيجب العمل به.
أما أبو حنيفة رحمه الله فيرى أن ما أهداه الخاطب لمخطوبته له الحق في استرداده إن كان قائما على حالته لم يتغير، فالأسورة أو الخاتم أو العقد أو الساعة ونحو ذلك يرد إلى الخاطب إن كانت موجودة، فإن لم يكن قائما على حالته، بأن فقد أو بيع أو تغير بالزيادة أو كان طعاما فأكل، أو ثوب فخيط، فليس للخاطب الحق في استرداد ما أهداه أو استرداد بدل منه.
وعند الشافعي ترد الهدية سواء أكانت قائمة أو هالكة، فإن كانت قائمة ردت هي ذاتها، وإلا ردت قيمتها.
وقد جاء في أعلام الموقعين، أن الواهب الذي لا يحل له الرجوع هو من وهب تبرعا محضا لا لأجل العوض والواهب الذي له الرجوع هو من وهب ليتعوض من هبته، ويثاب منها، فلم يفعل الموهوب له.