حينما يتتبع المرء ما يحدث في فلسطين لا يملك إلا أن يحيي بطولة هذا الشعب المقاوم المجاهد الصامد الصابر، برجاله ونسائه، وأطفاله وشيوخه، شيبه وشبابه، وبكل تكتلاته وفصائله، ذلك لأن أعتى دولة في هذا العصر وخاصة في المنطقة وأكثرها مددا وأقواها بطشا، تحاول بكل ما أوتيت من قوة عدة وعدداً أن تستأصل شأفة هذا الشعب الفلسطيني، وجعله يركع ويستسلم، لكنه يأبى إلا المقاومة، في سبيل الحصول على الحرية التي ألفها في تاريخه وعشقها منذ الفتح العمري لبيت المقدس، دافعا في سبيل ذلك الشهيد تلو الشهيد .
في كل يوم تتحرك طائرات العدو السريعة والخفيفة لكي تهاجم بصواريخها شخصا أو سيارة في منطقة من المناطق الفلسطينية، ويسقط عشرات الضحايا دون أن يحرك أي واحد في العالم ساكنا.
وفي كل يوم يبقى الآلاف من الفلسطينيين محاصرين جوعى، عطشى، خائفين مرعوبين، ويسقط العشرات منهم ضحايا، بالجوع والمرض والخوف، ولا أحد يتحرك في العالم.
في كل يوم نسمع وسائل إعلام العدو ، ومن ينقل عنها، أن الهدف في كل مرة هم “إرهابيون فلسطينيون”، “مدججون بالسلاح”، “محملون بالمتفجرات”، ويصدق الأكذوبة كل المغفلين، إلى أن جاء اليوم الذي اكتشف فيه العدو “هدفا خطيرا” قض مضجعه سنوات، سجنه فلم يكل، هدده مرات بالقتل فلم يَرْعَِِِِِِو، أنذره فلم يتراجع، فرض عليه الإقامة الجبرية فلم يستسلم، فما كان إلا أن أعد العدة، وبقيادة عليا و تحريك الطائرات الحديثة، وتجنيد العملاء، وتحت جنح الظلام سدد صواريخ طائراته…..
لم يكن الهدف دولة
لم يكن الهدف بارجة حربية
لم يكن الهدف جيشا ولا حتى فيلقا أو كتيبة
لم يكن الهدف حتى جنديا بسيطا…
لم يكن الهدف سوى شيخ مسن، مقعد مشلول، كفيف البصر، عديم الحركة، خافت الصوت، لم يكن يحمل لا متفجرات ولا قنابل ولا حتى عصا، ولا باستطاعته أن يفعل ذلك.
لم يكن في ساحة المعركة، ولا في منطقة عمليات عسكرية ولا في مكان مشبوه.
لم يكن متخفيا ولا مهددا لأحد…
كان كغيره من الفلسطينيين العزل، خارجا من المسجد بكرسيه المتحرك، بعد صلاة الفجر… فمزقت جسده النحيف الطاهر صواريخ العدو، وصعدت روحه المطمئنة إلى ربها راضية مرضية، تشكر ربها أن رزق صاحبها الشهادة وساقها إليه سَوْقًا في أفضل مكان وزمان، وتشكو ربها ظلم الأعداء الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وتدعو الله أن يصب عليهم سوط عذاب، إنه تعالى بالمرصاد، وتشكو كذاك ربها سكوت المسلمين المطبق المحير، بل وشماتة بعضهم، ولسان حالهم يقول: تلك فلسطين وتلك حالهم، ولنا حالنا ووضعيتنا.
لكن شهادة الشيخ المقعد ليست ككل شهادة، فهي شهادة شهيد تشهد على أن الظلم قد جاوز حده، وهي بكل تأكيد ستبعث الحياة من جديد في الفلسطينيين، وستبعث الحياة في عامة المسلمين، إنها الشرارة التي ستوقد نور الله في أفئدة كل المؤمنين. ويريد اليهود و من شايعهم أن يطفئوا نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.