لقد أُثبتت القراءات الإيمانية للصراع الدائر بين المسلمين وأعدائهم من الصليبيين والماسونيين والصهاينة من قديم الزمان إلى الآن ،صدقها وحقيقتها اليقينية.
لأن هذه القراءة مبنية على الحقائق التي أخبرنا الله تعالى عنها في القرآن العظيم {ومن أصدق من الله قيلا}(النساء).
فماذا تقول هذه الحقائق؟
تقول :
{كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بإفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}(التوبة).
وتقول:
{إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذن أبدا}(الكهف).
وتقول:
{لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}(البقرة).
وتقول:
{ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}(البقرة).
وتقول:
{ولايزالون يقاتلونكم حتى يرودكم عن دينكم إن استطاعو}(البقرة).
وحقائق تقول : إن الأعداء المحاربين لكم وقحون متوقحون لا يعرفون حدا لأطماعهم، ولا يتطاولون على حرمات الأنبياء والصلحاء فقط، بل يتطاولون حتى على اختصاص الله في منحه الجنة لمن شاء من عباده، فقالوا : {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}(البقرة). يسفكون الدماء من أجل احتكار الدنيا لهم، ويُمَنُّون أنفسهم باحتكار الجنة في الآخرة.
أما حقائق كتابنا فتقول :
{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريئة}(سورة البينة).
فأين هذه الحقائق من القراءات الاهترائية التي يقرأها المنهزمون للأحداث منذ تسرّب الغزوُ الفكري للنفوس، وزيّن لهم الاستنامة بلذائذ الدنيا، إذ بذلك الغزو فُقدت الرجولة الإيمانية على مستوى الزعامات القومية والوطنية التي تحولت ـ مع الأسف ـ إلى متنفذين.
فماذا يعني اغتيال الشهيد؟
إنه يعني أشياء كثيرة لا يأتي عليها الحصر، يمكن التقاط نقطها الكبرى فيما يلي :
1- يعني أن القرآن نور الله عز وجل بين الناس، والنبوة هي مشكاة هذا النور، أما الشهداء فهم الذين يرسخون النماذج الحية لهذا النور الذي سيكون نورًا يوم القيامة لهم، يسعى بين أيديهم وبأيمانهم.
2- يعني الرَّمزَ الإيماني الذي كاد العالم -في غمرة الانغماس في حب الدنيا- أن ينساه، بعدما كان يجسمه الصحابة والتابعون والمجاهدون من مختلف الأعصار، رمز يوجه رسالة حية لكبار قوم الأمة وصغارها، يَقول لهم : “احرصوا على الموت توهب لكم الحياة”. فكل من مات لتحيا الأمة بدينها وهويتها وكرامتها لم يمت في الحقيقة، ولكن كتب لنفسه الخلود، خلود الذكر في الدنيا والآخرة.
3- يعني إيقاظ الأمة من غفلتها.
4- يعني أن التخاذل، واللهو، واللعب، والانبطاح، والتعاليَ الأجوف، والتحصُّن بالمخابرات والجيوش المسلطة على الشعوب، والسجون، والمحاكم الجاهزة لإصدار الأحكام المعَدَّة سلفا، كل ذلك لا يستجلب ذرةً من عطف، ولا يستدرُّ دمعةً من عينِ محترقة بهموم مصير الأمة دنيا وأخرى.
ففرق كبير بين كبير طاغيةٍ استُرِيحَ منه، وكبيرمعْنًى تَربَّع معاقِدَ القلوب فاستراح في رحمة الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يدعو المتسابقين للفوز للحاق به في مستقر الرحمات.
5- يعني القضاء على التردد بين الحلول الموهومة والسير في الصراط الجِلي الواضح المعالم للمنعم عليهم من غير المغضوب عليهم ولا الضالين الهالكين.
فمهما رصّع المذبذَبون من مقترحات ترقيعية استرضائية فلا يُقْبَلُ منهم شيء لأن المطلوب كيانُ الأمة وروحها.
6- يعني أن الفرج قريب، وأن النصر أطلَّتْ أعلامه، ذلك أن الإسلام أصبح يعاديه الداني و القاصي، لا فرق في ذلك بين أصحاب الكتب الخُضر، أو الحمر، أو الصُفر، وبين مجلس الأمن، وبين الكفر شرقا وغربا شمالا وجنوبا، وبين النفاق السري والعلني… فالكل يتبرأ منه-الإسلام- إلا الضعفاء المستضعفين، والأولياء المستخفين، والمتقين المتحركين والمُقْعَدين الداعين ربَّهُمْ بالغداة والعشي لا يريدون إلا وجهه في الدنيا والآخرة.
عندما تصبح الدعوة محاصرة من الجميع يفتح الله تعالى لها الطريق ليفرَحَ المومنون بنصر الله، ويعرف المتسلطون أن يَدَ الله فوق أيديهم {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} (سورة يوسف).
7- يعني أن الذين تكرموا عليك بالشهادة قائلين : إنهم أرادوا أن يبلغوا رسالة اليأس لإخوانك وأبنائك وأحفادك من الراغبين في الشهادة، وَماَ دَرَوْا أنك بصدقك في طلب الشهادة، واستشهادك -فعلا- قد بلغت رسالة كبيرة لا يسعها الزمان والمكان.
وفَرْقٌ كبير بين رسالتك ورسالتهم، رسالة الحياة والبناء، والعيش الكريم، والسلام النفسي والاجتماعي والدولي، ورسالةِ التدمير والتخريب والتجَبُّر والطغيان، واستعباد الإنسان للإنسان.
8- وأخيرا، وليس آخرا، تعني أن مَْن َصَدقَ الله صَدَ قَهُ الله، فقد كنت تقول : “نحن طلاب شهادة” فقد صدقت الله عز وجل في الطلب فصَدَقَكَ الله، إذ تسلط عليك -بقَدَره- من يَنْقُلُكَ إليه في أفضل الأوقات وأفضل الأحوال، وقت الفجر، وما أدراك ما وقت الفجر عند أصحاب الفجر، وبعد صلاة الصبح، وما أدراك ما صلاة الصبح التي يشهدها الملائكة المقربون.
هل المغتالون اختاروا لك؟! أبدا!! الله تعالى اختار لك الانتقال إليه طيِّبا مطيَْبا، طاهرا مطهَْرا، كريما مكرَْما.
إنها أوقات وأحوال الرضا الرباني على عباده الصادقين، وليس هذا غريبا، فلقد سُئِلْت عن أمَلِك فقلت : “أَمَلِي أَنْ يَرْضَى اللَْهُ عَنِّي” فَقَرَّ عَيْنًا، فإن رِضَا القلوب المومنة من هذه الأمة عنك لا يحمل إلا دلالة واحدة هي أن الله عز وجل بفضله تقبَّل منك أملك ورغبتك ودُعاَءَكَ وصدقَك فأرْضَى عنك القلوب الربانية. فما ذا كنت ترجو -وأنت فقيرمُمْلَق، ومريض معلول، ومُقْعَدٌ مشلول- إلا رضا الرحمان في فراديس الجنان، لا نُزَكِّي على الله أحدا، ولكن البُشْرَيات الواضحةَ كالشمس في رابعة النهار لا تَحْجُبها غرابيل الكفر والنفاق.