إن كل من كانت في قلبه ولو ذرة من غيرة على هذا الدين الحنيف وعلى مبادئه النيرة، وتوجهاته الرشيدة حتما سيتقطع قلبه أسفا وحسرة على ما آلت وتؤول إليه يوما بعد يوم أوضاع هذه الأمة الحبيبة من انحطاط خلقي، وتخلف فكري… وغيرها كثير مما يمهد الطريق إلى الانصهار الكلي في بوتقة الرذيلة وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ولا أحد يجادل في أن مجتمعنا اليوم أصبح مجالا خصبا لنمو هذه الطفيليات وأمثالها وتكاثرها بشكل ينذر بخطورة الموقف.
فهذا الكيان (المجتمع) الذي كان بالأمس القريب يتمتع بتمام الصحة والعافية، وبكامل التفرد والخصوصية والتميز أصبح اليوم في مهب الريح، تجتاحه موجة عارمة من التبرج والاختلاط، وسيل جارف من التكشف والتهتك، والتعري والسفور، وعاصفة رهيبة من التبعية العشواء، والتقليد الأعمى، تهدده بأفدح الأخطار، وتنذره الخراب والدمار، وتؤدي به إلى درجة سحيقة من الانحطاط والانهيار.
وإن لهذه الجائحة رغم خطرها المحدق، وضررها الكبير، دعاتها ومروجوها إما عن جهل أو غفلة كما تفعل الببغاوات، وإما عن خبث نية وسوء طوية كما يفعل الثعالب والذئاب.
لكن الذي يحزن له القلب هو الاستجابة الفورية اللامشروطة لدعاوي هؤلاء والانسياق وراءهم متسترين بالشعارات العريضة الخادعة، وبالهتافات الصاخبة الكاذبة، فتهتك الأعراض، وتعرض عزة الإنسان وكرامته في سوق الرذيلة، تحت غطاء الانفتاح والاعتدال تارة، ومحاربة التزمت والكبت تارات. فيكون الاختلاط ـ في أبشع صوره ـ باسم التعاون وتحقيق التواصل وتبادل الأفكارـ وترتكب جريمة التبرج والعري الفاحش باسم العصرنة والحداثة ومسايرة متطلبات العصر… إلى غير ذلك مما يجعل قاموس المجتمع خاليا من “الحلال” و”الحرام” فيصير كل شيء مباحا.
هكذا أصبح الفرد والأسرة والمجتمع والإنسانية جمعاء مهددين بأمراض اجتماعية عويصة وفي طليعتها “الزنى” الذي يعد من أمهات هذه الأمراض لأن البضاعة معروضة، وسهلة المتناول ورخيصة الثمن ومغرية المظهر، فتانة المنظر… والنفس أمارة غرارة. والشيطان مريد عنيد، والشهوة هائجة ومائجة.
وبالمقابل فإن جريمة الزنى التي تعد أخظر على البشرية من القنابل الذرية والهزات الأرضية… تصبح في نظر المجتمع المتبرج المختلط أمرا مباحا ترتكب في أي وقت وفي أي مكان وعلى اطلاع ومرأى من الناس.
> رشيد أسعيد