نص الكلمة التأبينية التي ألقتها حفيدته
مريم البوشيخي في النساء
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.
وقال رسول الله : >كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل<.
نلتقي اليوم في جنازة العلامة الشريف أحمد الحجامي رحمه الله ورزقه الفردوس الأعلى رفقة النبي المصطفى . وهي مناسبة للتذكير بجوامع كلم طالما حث عليها رحمه الله قولا وعملا، لعل العلم والعمل بها يزيد في ميزان حسناته يوم القيامة إن شاء الله. فعن أبي هريرة ] أن النبي قال : “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا”.
سنذكر بعض أعماله رحمه الله وتقبَّلها منه، عسى أن تذكرنا بسنة نبينا محمد وتدفعنا إلى العمل بها.
علاقته بربه
فقد كان رحمه الله يقرن القول بالعمل طول حياته؛ ففيما يخص علاقته بربه كان من أحرص الناس على إقام الصلاة في وقتها، لا يثنيه عن ذلك مرض ولا عرض من أعراض الدنيا. كما علمنا وشهدنا قيامه الليل تهجدا وتعبدا في أشد الأيام حرارة أو برودة، رغم كبر سنه وضعف بنيته.
فعلينا بهذه الخصلة التي ذكر في بيان شأنها الرسول . “إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر”. ولا أبلغ من وصيته قبل مماته : “الصلاة الصلاة”. وكان غفر الله له حريصا أيضا على إيتاء الزكاة، وكان يقوم على أمرها بنفسه، فقد كان يضع لائحة مستحقي الزكاة، ويتحقق من وصول الزكاة إلى أهلها بنفسه.
كما عرفنا عنه أنه كان يتصدق بكل ما وقع في يده من مال في السنوات الأخيرة، بعد أن سقطت نفقة عياله عنه. ولا يخفى على أحد أهمية هذه الفريضة وفضلها حتى إن النبي قال : >أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة< وقبل ذلك قال الله عز وجل : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}.
أما الصيام فقد كان يصوم معظم أيام الأسبوع إلى أن عجز عن ذلك في السنتين الأخيرتين، ولكنه حرص على صيام رمضان الأخير وهو في المصحة، إلى أن أمره الأطباء بصرامة أن يكف عن الصيام حتى لا يهلك.
فلنتعظ بهذا عسانا أن ندرك أهمية هذ الركن من أركان الإسلام الذي بلغت منزلته عند الله من العلو أن ترك الجزاء به لنفسه فقد قال الرسول قال الله عز وجل في الحديث القدسي : {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به}
علاقته بالناس
أما فيما يخص علاقته بالناس فما علمنا عنه رحمه الله إلا الخير. فقد كان يستقبلالناس بطلاقة وجه وبصدر رحب، وكان يعظ ويذكر وينصح كلما سنحت له الفرصة، فبلَّغ بأمانة علمية، وبصدق قل نظيره، وبخلق حسن، عسى أن يكون ممن قال عنهم النبي “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا”.
ومع ذلك كان يستأنس بالله أساسا، ويحرك لسانه بالذكر كثيرا، عملا بقوله تعالى : {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}.
معاملته الخاصة مع الأطفال
وأحب أن أذكر هنا معاملته الخاصة مع الأطفال، أطفال العائلة، وكيف كان يداعبهم ويلاطفهم، ويسمي كل واحد بتسمية محببة، كما كان يجمعهم لتلاوة القرآن والدعاء، ثم يوزع عليهم هديته الأسبوعية، ويمرح معهم عملا بسنة النبي مع حفيديه الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وأخيرا لا نغفل دوره في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي والاسباني منذ أن أصبح والد جدنا رحمه الله سيدي محمد تحت الإقامة الجبرية، وعجز عن الجهاد، فصار يجوب شمال المغرب مجاهدا مع رفاقه في مناطق غمارة وكزناية والريف وكاد يفقد حياته مرات عديدة.
فكان ينهج نهج والده الذي نظم الهجوم على فاس العاصمة آنذاك لتحريرها من الاستعمار الفرنسي في ماي 1912 إذ جمع لذلك ما يفوق عشرين ألف مجاهد من مختلف القبائل المحيطة بفاس، واستمر في الجهاد إلى سنة 1929، وكثيرا ما نسق مع المجاهد ابن عبد الكريم الخطابي رحمه الله وما زالت لدينا مراسلاتهما في هذا الشأن.
وعندما تحرر المغرب بدأ جهادا من نوع آخر هو جهاد الدعوة إلى الله بالكلمة والموعظة الحسنة إلى أن لقي ربه امتثالا لقول الله عز وجل : {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للرب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
فتقبل الله منه أعماله، وثقّل بها ميزان حسناته، وجعلنا وإياه ممن يصدق عليهم ذلك القول من الله عز وجل. وصلى الله وسلم على سيدنامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مريم البوشيخي