الشيخ الفقيه سيدي أحمد بن محمد الحجامي
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.
الواقع أن الفقيه الجليل الداعية إلى الله الشريف سيدي أحمد الحجامي رجل من الرجال الصالحين، ومن بقية السلف الصالح الذين حقيقة فقدناهم والذين كانوا نورا يستفيد منه كثير من الناس، ويشع على كثير من الناس بأخلاقه وسمته الحسن وتواضعه الجم وعلمه الواسع.
وقد عاشرناه مدة طويلة وخالطناه في مجالسه العلمية التي كان يحضرها معنا. وتعرفنا فيها على رجل من العلماء الصالحين المرموقين الذين كان لهم باع طويل على الأخص في الميدان الفقهي وفي الميدان التشريعي بصفة عامة.
والفقيد العظيم رجل ينتمي إلى عائلة شريفة وإلى عائلة مجاهدة عرفت بالصلاح والتقوى والورع والزهد وخدمة الصالح العام والدفاع عن البلاد حينما كان الاستعمار يحاول أن ينقض على المغرب، ويحاول أن يلتهمه التهاما فكانوا له بالمرصاد هو ووالده وأفراد أسرته وعائلته ومجموعة من الأفراد الذين كانوا يحاربون مع الزعيم الكبير البطل سيدي عبد الكريم الخطابي.
عائلة آل الحجامي عائلة اشتهرت بالنبل والصلاح والتقوى والصوفية الصادقة السلفية، والذين حقيقة كانوا لا يخافون في الله لومة لائم وكانوا يدافعون عن الاسلام بقلب نقي وبوجدان صادق، وبإيمان قوي، ولا يعرفون إلا الحب في الله سبحانه وتعالى والحب لرسوله والحب للمؤمنين جميعا والاخلاص لجميع المسلمين.
فيما يتعلق بكونه من الدعاة الصالحين. كان مخلصا في دعوته إلى الله وكان ينافح وينافس من أجل أن تكون الأمة الاسلامية كلها ملتحمة. وتكون الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى دعوة عامة يقبل عليها جميع المؤمنين والمسلمين ويستفيدون منها في دنيهم ودنياهم.
ولا شك أن الفقيه كان من العناصر التي ساهمت في هذا العمل بجد وإخلاص. وكان مجلسهدائما يحتوي على مجموعة من العناصر التي تستفيد منه وتستفيد من تقواه ومن صلاحه ويفيدها في جميع الأسئلة التي ترد عليه فيجيبهم عليها ويوضحها لهم مبينا جميع أحكام الدين وشرائع الدين، وهذه المهمة حقيقة تحتاج إلى العناصر الممتازة التي تستطيع أن تصل إلى قلوب الناس وأن تعيهم وأن يثق الناس بهم ثقة عمياء، وهذا شيء كان يتوفر في الفقيد العزيز الذي كان حقيقة إذا قال كلمة صدقه الناس ووثقوا به لأنه كان لا ينطق إلا عن علم وعن معرفة كاملة بكل ما يقول.
هذه المهمة في الدعوى مهمة نحن في حاجة إليها وعلى الأخص في هذا العصر الذي تكاثرت فيه الأزمات واشتدت فيه الخطوب وكثرت فيه المنازعات والخصومات الخاصة وكثرت فيه الايديولوجيات المناهضة للاسلام والدين والتي تريد أن تفكك أحوال المسلمين وأن تحللهم من دينهم، هذا شيء حقيقة تصدى له الفقيد لما عرف عنه من قوة يقين وصدق عزيمة، واستطاع بجهودهأن يزيل الكثير من الشكوك والكثير من الأوهام التي كانت تحيط بكثير من الناس وكانت تدفعهم إلى الانحراف والخروج عن الحق وعن الصواب.
إذن مزية ينبغي أن تحسب في مناقب الفقيد العزيز وأن تعد من مزاياه وينبغي أن نفتخر بها وأن نعدها من الأشياء التي ينبغي أن تسجل حقيقة بمداد الفخر في سجلات عمله. صحيح أنه عاش مدة طويلة. لكنه قضى هذه المدة كلها فيما يعود على الأمة المغربية بالخير والصلاح.
كانت جنازته كما لاحظ الكثير من الناس تجمع الكثير من العناصر سواء الذين يحبونه أو الذين يتعارضون معه أولا يسيرون في ركابه وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على المحبة الراسخة التي كانت له في نفوس جميع الناس، وجميع سكان هذا البلد الذين أحبوه ووثقوا به. كانت جنازة حافلة، حضرها جمع غفير من سكان مدينة فاس، على اختلاف نزعاتهم وتياراتهم واتجاهاتهم، ولكنهم حضروا لمعرفتهم أن هذا الرجل كان رجلا صالحا زاهدا تقيا ورعا لا يحب نفسه وإنما يحب المصلحة العامة. هذه المزايا حقيقة ينبغي أن نفتخر بها وأن نعدها من الأشياء التي أصبحنا نفتقدها في هذا الزمن، والذي أصبحت فيه الكثير من الويلات والكثير من الخطوب والكثير من النكبات.
على كل حال نحن نتأسف حقيقة لفقدان هذا الرجل العظيم ونترحم عليه وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن يجعله مع الذين أنعم الله عليهم من الصادقين والمخلصين، ومع النبيئين ومع الذين ساهموا في خدمة الاسلام والمسلمين.
وكانت له يد طولى في هذا المجال، ولذلك أنا أعتبر أن الله سبحانه وتعالى أكرمه حينما جعله يطول عمره لينفع الناس ويقوم بخدمتهم وبما فيه كل مصلحة من مصالحهم.
نحن نتقدم بالتعازي باسم سائر علماء العاصمة العلمية وبصفتي رئيس المجلس العلمي، أعزي فيه الأسرة المسلمة والأسرة المؤمنة، وأعزي فيه مريديه الذين كانوا يحبونه، وأعزي فيه كل الناس الذين كانوا يحبون الخير ويعملون من أجل الخير ويدافعون عن الخير، أعزي فيه هؤلاء جميعا. وأعزي فيه جميع الذين يحبون العلم ويحبون العلماء، ويعرفون أنهم هم الذين كانوا ورثة الأنبياء وجعلهم الله ورثة للأنبياء، فهو كان يقوم بالرسالة المنوطة به وكان يؤدي الأمانة التي تكلف بها، وهذه مهمة ثمينة ينبغي أن تسجل في سجل أعماله الخالدة كما أعزي فيه أسرته الكريمة وأولاده وأصهاره وأفراد عائلته وجميع الذين ينضمون إلى هذه الأسرة الكريمة.
كما لا يخفى هنا أن أمير المؤمنين بصفته حامي الملة والدين والذي حقيقة يحب العلماء ويعطف عليهم ويدافع عن الإسلام، أرسل تعزية خاصة للأسرة الحجامية يعزيهم في فقيدهم العزيز، ويثني عليه الثناء الكبير، نظرا لمواقفه ولبطولاته ولعلمه ولصلاحه، هذه حقيقة كلها أشياء ينبغي ألا تنسى. وينبغي أن تكون في سجل أعماله الذي ينبغي أن يتعرف الناس عليه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم وأصلي واسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وأسلم تسليما.
شهادة العلامة محمد الكتاني