موضوع رسالة الدكتوراه للأستاذ عبد العالي معگول
نوقشت هذه الرسالة يوم الخميس 23 أكتوبر 2003، من قبل لجنة تتكون من الدكاترة : عبد الحميد العلمي رئيساً، والأعضاء : محمد أبياط، ومحمد الروگي، وعبد الله الهلالي، وكان قد أشرف عليها فضيلة الدكتور أحمد البوشيخي. وقد نال الطالب ميزة مشرف جداً. وفيما يلي الجزء الثاني من تقرير عن الرسالة :
رابعا : في نصوص القرآن والحديث:
- وأما ما يمكن قوله عن الدراسة التي قمنا بها لمصطلح (سبيل الله) في نصوص القرآن والحديث فلقد تأكد لنا بأن سبيل الله هو الصراط المستقيم الذي هو الإسلام وأنه السبيل السوي الوسط القاصد الواضح السهل والذي فيه معنى الانتشار والامتداد والعموم في الخير، وهو السبيل الذي سلكه الأنبياء والمومنون ودعوا إليه وأنه كثيرا ما يصدق على الجهاد لأنه أقرب السبل وأحسنها.
كما تأكد بأن المعاني اللغوية لهذا المصطلح معتبرة ولا تتعارض مع الدلالات الشرعية.
- اقترن لفظ (سبيل الله) في القرآن بالإنفاق والدعوة والقتال والجهاد والضرب في الأرض والنفير والظمإ والنصب والمخمصة، كما اقترن في الحديث الشريف بالهجرة والنفقة والصدقة والتحبيس والوقف والحج والصوم والوصية وطلب العلم والدعاء والعمل وقراءة القرآن، مما يؤكد أن كل هذه القربات هي من سبيل الله، كما فسر سبيل الله بالصراط المستقيم، وفسر الصراط المستقيم بالإسلام.
- اقترن هذا المصطلح بالجهاد في القرآن الكريم حوالي 49 مرة من مجموع وروده وهو 111 مرة وذلك بإضافة ألفاظ: سبيله، سبيلك، سبيلي، السبيل، سبيل ربك والتي تعني سبيل الله.
وهذه النسبة العالية التي اقترن فيها هذا المصطلح بالجهاد وما في معناه تدل على فضل الجهاد على غيره وعلى أهميته في إقامة سبيل الله ونصرة دين الله وإعلاء كلمته، وأنه هو الأقرب والأوضح، ومن ثم كان الجهاد ذروة سنام هذا الدين، وهذا ما جعل العديد من اللغويين والمفسرين والمحدثين والفقهاء يفسرون سبيل الله بالجهاد، وهو الشغل الشاغل الذي كان عند المسلمين في الصدر الأول للإسلام، غير أن دائرة الجهاد حسب ما تقرره النصوص لا تقتصر على القتال فحسب، بل تشمل كل مجالات الصراع بين المسلمين والكفار أي بين السائرين والسالكين لِــ(سبيل الله) والصادّين والضالين عن (سبيل الله) وإن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان، كما يكون بالسيف والسنان، قد يكون الجهاد فكريا أو تربوياً أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا.. ومما ورد في التوسع في مدلول الجهاد قوله : >ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر<(1).
ومن الذين سمتهم النصوص مجاهدين: القائم على خدمة والديه المحتاجين إلى خدمته فلقد أمر الرسول رجلا كان يريد أن يخرج إلى الغزو بلزوم والديه وترك الغزو، وقال له: >ففيهما فجاهد<(2) كما قالت عائشة رضي الله عنها أنها استأذنت النبي في الجهاد فقال: >جهادكن الحج<(3) إلى غير ذلك من النصوص الواردة في هذا الشأن، فكيف إذن يتم حصر معنى (سبيل الله) في الجهاد المسلح فقط علما أنه من معاني السبيل عند اللغويين الإنتشار والوضوح والعموم في الخير.
ولقد تأكد لدينا أن هذه المعاني لا تتعارض مع الدلالات الشرعية، فالحق سبحانه وتعالى اختار لفظ (سبيل) ولم يختر لفظ (طريق) إذ إن الطريق لم يرد في القرآن مرادا به (سبيل) إلا إذا وصف بكونه مستقيما أو غير ذلك.
إن لفظ (سبيل الله) كما ورد في القرآن المدني فإنه كذلك ورد في القرآن المكي قبل فرض الجهاد، ذلك أن مجموع ما ورد من لفظ (سبيل الله) في القرآن تسعاً وستين مرة منها عشر مرات في القرآن المكي وذلك في الآيتين 44 و 85 من سورة الأعراف والآية 19 من سورة هود وفي الآية 3 من سورة ابراهيم والآيتين 88 و 94 من سورةالنحل وفي الآية 5 من سورة لقمان ومرتين في الآية 26 من سورة ص ثم في الآية 20 من سورة المزمل، فكيف إذن نفسر هذه الآيات المكية بالجهاد علما أنه لم يفرض إلا في العهد المدني اللهم إذا فسر الجهاد بالمعنى اللغوي أو غير المسلح.
- إن مجموع النصوص التي ورد فيها الحديث عن (سبيل الله) في القرآن والحديث يمكن تصنيفها إلى صنفين: صنف يتحدث عن الضالين والصادين عن سبيل الله الذين حددتهم النصوص الشرعية في اليهود والنصارى والشيطان والكافرين والظالمين والمنافقين والسادة والكبراء والهوى ولهو الحديث. كما بينت النصوص الوسائل المستخدمة للصد والإضلال عن سبيل الله ثم العقاب الإلهي لهؤلاء الصادّين والضالين المضلين.
وصنف يتحدث عن المدافعين عن سبيل الله ووسائلهم وجزائهم عند الله.
ومن هنا يجب الوقوف عند غاية الصادّين والضالّين عن سبيل الله، ثم غاية المدافعين عن هذا السبيل، ولاشك أن غاية المدافعين هي إعلاء كلمة الله، وهذا هو الذي يجب أن ينصرف إليه البحث، إذ القصد هو لازم المعنى، وإعلاء كلمة الله هي الغاية والمقصد الشرعي.
- وأما الجهاد فإنه أقرب الطرق لتحقيق هذه الغاية ولذلك كثيرا ما ورد الجهاد في القرآن والحديث مقترنا بــ (سبيل الله) وإن معناه اللغوي لا ينحصر في القتال بالسيف وغيره، بل يتسع لكي يشمل كل أنواع المدافعة وذلك ما عبّر عنه سيد قطب حين قال: >و (في سبيل الله) وذلك باب واسع يشمل كل مصلحة للجماعة تحقق كلمة الله<(الظلال 1670/3) فسبيل الله واسع، والغاية هي إعلاء كلمة الله، ومصلحة الأمة مقدمة على مصلحة الفرد، وهذا المعنى هو ما لامسه كذلك الدكتور يوسف القرضاوي وفطن إليه حين قال: >أوثر عدم التوسع في مدلول (سبيل الله) بحيث يشمل كل المصالح والقربات، كما أرجح عدم التضييق فيه بحيث لا يقتصر على الجهاد بالمعنى العسكري المحض إذ الجهاد قد يكون فكريا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا كما يكون عسكريا<(فقه الزكاة 635/2).
ويبقى استعمال النوع الجهادي المناسب حسب الأولويات الأكثر والأقرب والأوضح تحقيقا لمصلحة الأمة وغايته إعلاء كلمة الله ولمواجهة الصادّين والضالين عن سبيل الله بنفس السلاح والقوة الشاملة والذين يحددهم القرآن الكريم والحديث الشريف في أهل الكتاب والشياطين والمنافقين والظالمين والكافرين والسادة والكبراء وأهل الأهواء والشهوات.
ومن ثم نقول إن (سبيل الله) من الألفاظ الشرعية التي وجدت لسبب مصلحي، وأصحاب الاختصاص هم وحدهم الموكول إليهم النظر في طبيعة هذه المصلحة، وتوفيقهم بين أحكام ومقاصد الشريعة وغاياتها، ومتطلبات العصر وضوابط وقيود التوسيع والتضييق في مفهوم (سبيل الله). وحسبنا أننا وضعنا بين أيديهم ما تقرر لدينا من استقراء لأقوال الدارسين ونصوص القرآن والحديث وما خلص من هذا الاستقراء إذ هو من الأصول المعتمدة في هذا الصدد.
وإذا كان عموم لفظ (سبيل الله) قد تقيد بالعلة التي أنيطت به وهي إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، فإن لمصرف (سبيل الله) أثـراً بارزاً في حفظ الدين وجوداً وعدماً وهو باب شاسع للدارسين والباحثين.
—-
(1) أحمد في مسند أبي سعيد الخدري والترمذي في الفتن تم تخريجه في ص: 77
(2) البخاري في باب الجهاد بإذن الأبوين رقم 1288.
(3) البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب جهاد النساء.