أ- ما يكره للصائم:
يكره للصائم ما يلي:
1- يكره للصائم شم المسك وإن كان لا يفطر.
2- يكره ذوق الملح من الطعام، وذوق العسل والخل وغيرهما، وهذا إذا لم يصل شيء منها إلى حلقه، فإن وصل إلى حلقه شيء غلبة من غير تعمد، ففيه القضاء، أو عمدا ففيه القضاء والكفارة.
3- وكذا يكره مضغ التمر والحلوى ليطعمه الصبي، ومضغ العلك الذي له طعم ولا يصل شيء منه إلى الجوف، وأما إن كان له طعم كالعلكة المستعملة في وقتنا الحاضر، فإن لها طعما ونكهة فهي تفسد الصوم.
4- وتكره مقدمات الجماع (كالقبلة والمباشرة والنظرة والملاعبة)إذا علم السلامة أي إذا تيقن أنه لم يُنزل. وهذه الكراهة مع تيقن السلامة لما ورد عن ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنه: أنهما كانا ينهيان الصائم عن القبلة والمباشرة، ولما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن أبي صعير قال: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ينهون عن القبلة للصائم ولأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومقدمات الجماع يخشى أن توصل إليه وهو حرام، لأنه مفسد للصوم وفيه القضاء والكفارة.
ب- ما لا يكره للصائم:
يجوز للصائم فعل ما يأتي :
1- يجوز للصائم السواك في سائر النهار بما لا يتحلل منه شيء، فإن كان مما يتحلل منه شيء كره، وإن وصل إلى الحلق أفطر، والأصل في إباحة السواك في جميع نهار رمضان حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من خير خصال الصائم السواك” رواه ابن ماجة والدارقطني كما في مسالك الدلالة ص: 110.
2- ويجوز له المضمضة للعطش أو للحر، ولا يبلع ريقه حتى يزول طعم الماء وتكره لغير موجب.
3- ويجوز له جمع ريقه في فمه ثم بلعه.
4- ويجوز له الإصباح بالجنابة، سواء كانت عن احتلام أم عن غيره، فليست الطهارة من الجنابة من شروط صحة الصوم، ولكن يأثم لتعمد تأخير الصلاة لحديث عائشة قالت: “قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم” متفق عليه.
5- وله الاغتسال والتلفف بثوب مبتل بقصد التبرد، ولدفع شدة الحر، وليتنشط لإتمام العبادة.
ج- مالا يفسد الصوم:
هذه الأشياء الآتية الذكر لا تفسد الصوم:
1- القطرة أو الاكتحال إذا لم يجد الصائم طعمها في حلقه، فإذا وصل شيء من ذلك إلى حلقه أفطر، وعليه القضاء.
2- الحجامة سواء احتجم أو حجم غيره.
3- إذا دخل حلقه ما لا يمكن الاحتراز منه بدون قصد، كالذباب والبعوض وغبار الطريق والدقيق، والغبار المنتشر في الكناسة أو في أثناء عمل البنائين وغبار جبس لصانعه.
4- إذا دخل حلقه دخان حطب، وأما الدخان المشروب (السجائر) فإنه يفطر.
5- إذا شم مسكا أو وردا أو زهرا أو طيبا مما له رائحة طيبة بدون دخان ولكنه مكروه.
6- إذا دخل دخان البخور بدون تعمد إلى حلقه وكذا دخول رائحة الطعام بدون تعمد.
7- الإبر بجميع أنواعها في العضل وتحت الجلد، أو في شرايين الدم التي يصفها الأطباء كعلاج وأما ما كان منها لمحض التغذية فهو من المفطرات وإذا كان بالإمكان تأخير الإبرة التي في الشرايين إلى الليل فهو أحسن. علما بأنه إذا وجد طعم الإبرة في حلقه فقد وجب عليه القضاء.
8- إذا درعه القيء (غلبه) ولم يرجع شيء منه إلى جوفه.
9- الاستحمام والسباحة ولو دخل الماء الأذن إلا أن يجد طعم الماء في حلقه.
10- الحقنة في قبل الرجل(ذكره) بخلاف حقنة المرأة في قبلها فإنها تفسد الصوم.
11- حك الأذن بالعود أو تنظيفها بالقطن وصب الدواء فيها إذا لم يصل طعمه إلى حلقه.
12- ومن أكل أو شرب ناسيا في صوم التطوع.
13- ومن داوى جائفة (وهي الجرح النافذ من البطن أو الظهر إلى الجوف) ولو وصل الدواء إلى جوفه.
14- إذا سبق إلى جوفه فلقة من حبة بين أسنانه إلا إذا تعمد بلعها، وهذا في غير ما بين الأسنان من أثر طعام الليل، فهو لا يضر ولو ابتلعه عمدا.
15- التلذذ بالقبلة والمباشرة والنظر والفكر إذا لم تسبب هذه الأشياء خروج شيء من الفاعل أو المفعول به، فإن تسبب بخروج المذي فعليه القضاء أو المني فعليه القضاء والكفارة.
د- لوازم الفطر:
لوازم الفطر أربعة أنواع منها :
1- ما يوجب القضاء مع الكفارة : يجب القضاء مع الكفارة على من أفسد صومه عمدا مختارا من غير مبيح للفطر، فلو أفسد صوم غير رمضان فلا كفارة عليه بل القضاء فقط، كما لو أفسد صوم قضاء رمضان، ولو أفسد صوم رمضان غير عامد. فعليه القضاء فقط. وكذا لو أفطر غير مختار، أو كان فطره بسبب مبيح للفطر من مرض أو سفر أو نحوهما، فعليه القضاء في كل ذلك بدون كفارة.
وعليه، فتجبان (أي القضاء والكفارة) في الأكل والشرب والجماع عمدا.
وعلى من أصبح بنية الفطر، بأن رفض النية ليلا، ولو نوى الصيام بعدما أصبح، أو رفض النية نهارا، وسواء كان الرفض مطلقا أم معلقا بشرط ووجد الشرط. وفي الأكل العمد تجبان سواء كان المأكول يحصل به غذاء أم لا بأن أكل ترابا أو حصاة، أو بلع درهما ويشترط في الأكل أن يكون بفم, فلا كفارة فيما يصل إلى الحلق من غيره كأذن بل عليه القضاء. وبالجماع العمد تجبان بمجرد الإيلاج سواء أنزلأم لم ينزل وكذا إذا أنزل بمباشرة أو قبلة أو جماع في دون الفرج، والمراد بالإنزال خروج المني.
2- ما يوجب القضاء فقط: يجب القضاء بلا كفارة على من أفطر بعذر من الأعذار المبيحة للفطر الآتية:
- من أكل أو شرب أو جامع ناسيا في نهار رمضان. وقد فرق مالك رحمه الله في حكم النسيان بين صوم رمضان وصوم التطوع، فأفسد الأول ولم يفسد الثاني، والجمهور على عدم الفرق، فلا يفسد النسيان فرضا ولا تطوعا، لقوله صلى الله عليه وسلم: “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله تعالى وسقاه”. أخرجه البخاري رقم (1933). من أكرهه غيره على الفطر بأكل أو شرب أو جماع.
- ويجب القضاء كذلك بكل ما وصل إلى الحلق من غير الفم كالأذن أو العين أو الأنف أو نحو ذلك، كما لو اكتحل نهارا فوصل إلى حلقه ولو كان الواصل إلى حلقه بخورا يجد طعمه، فإن لم يجد طعمه فلا شيء عليه، فمن تعمد إدخال البخور إلى حلقه أفطر وعليه القضاء، وكذا استنشاق رائحة قدر الطعام، لأن ريح الطعام له دسم يتقوى به الدماغ، وكذا من تعمد شم الدخان المشروب.
- وكذا وصول طعم السواك المتحلل إلى الحلق فيه القضاء ومثله كل الأدوية التي تستعمل مع فرشاة الأسنان.
- وكل من أفطر متأولا تأويلا قريبا(1). وهو ماقوى سببه, فليس عليه إلا القضاء كمن سافر أقل من مسافة القصر، فظن أن الفطر مباح له، فأفطر، ومن أفطر ناسيا، ثم أفطر عامدا، ظنا إباحة الفطر، لفساد صومه. ومن أصبح جنبا، أو أصبحت طاهرة من الحيض، ولم يغتسلا إٍلا بعد الفجر، فظنا أن صوم هذا اليوم لا يلزمهما، ظنا منهما أن من شروط صحة الصوم الاغتسال قبل الفجر، ومن تسحر مع الفجر، أو شاكا فيه، فظن إباحة فطره لبطلان صومه فأفطر، ومن قدم من سفره ليلا فظن أنه لا صيام عليه في صبيحة ذلك اليوم، أو رأى هلال شوال نهارا، فظن أنه لليلة الماضية.
- ومن سبق ماء المضمضة والاستنشاق إلى حلقه.
- وكذا الحائض إذا أفطرت متعمدة في يوم عادتها، ثم ظهر أنها حاضت قبل أن تفطر.
- ومن الْتَذَّ في نهار رمضان بمباشرة أو قبلة، فأمذى (أي خرج منه المذي: وهو ماء رقيق، صاف يخرج عند شهوة، وليس في خروجه لذة)، فيقضي، وهو مذهب الحنابلة كما في المغني 3/112. وإن تعمد ذلك، واستمر في الالتذاذ حتى أمنى، فالقضاء والكفارة, وهذا الحكم يسري على الرجل والمرأة سواء.
- وكذا المغمى عليه إذا أفاق فإنه يقضي إذا أغمي عليه يوما كاملا، أو أكثر اليوم، سواء صحت نيته أول اليوم أم لا.
وأما إن أغمي عليه نصف يوم أو أقل, فإن سلم أولاليوم، بأن صحت النية في وقتها فلا قضاء عليه, وإن لم يسلم أوله فعليه القضاء.
- وكل ما وصل إلى المعدة أو الجوف عن طريق الدبر أو الفرج، ففيه القضاء.
- ومن أفطر في صوم التطوع عامدا، أو سافر وهو متطوع، فأفطر لسفره، فعليه القضاء كذلك، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: أهدي لحفصة طعام وكنا صائمتين، فأفطرنا، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: “يا رسول الله، إنا أهديت لنا هدية واستشهيناها فأفطرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا عليكما صوما مكانه يوما آخر” رواه أبو داود رقم (2457).
3- ما يوجب الكفارة فقط: تلزم الكفارة فقط على من أكره غيره على الفطر بأكل أو شرب أو غيرهما من المفطرات.
فمن أكره زوجته مثلا على الفطر بأكل أو شرب، كان عليها القضاء فقط, وعليه الكفارة، لكن لو أكرهها على الفطر بالجماع، كان عليه القضاء وكفارتان، كفارة عنه، وكفارة عنها لأنه أكرهها. وأما هي فتقضي فقط. والإكراه يكون بضرب مؤلم, أو سجن، أو قيد أو صفع لذي مروءة على ملأ من الناس. أنظر الموسوعة الفقهية 6/108.
4- ما يوجب الفدية :
- من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر، أو رمضانات كثيرة فعليه الإطعام وجوبا، بقدر ما عليه من الأيام مع القضاء, لما ورد عن أبي هريرةرضي الله عنه في رجل أفطر في شهر رمضان من مرض ثم صح ولم يصم، وأدركه رمضان أخر، قال: “يصوم الذي أدركه، ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه، ويطعم مكان كل يوم مسكينا” رواه الدارقطني كما في مسالك الدلالة ص: 112.
- وكذا المرضع إذا أفطرت خوفا على ولدها، ولم تجد من يرضعه غيرها، أو تستأجره له، أو وجدت ولكن الولد لم يقبل غيرها، يجب عليها القضاء كما مر، والفدية عن كل يوم أفطرته لقوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين} لقول ابن عباس: أثبتت في الحبلى والمرضع رواه أبو داود.
ولكن العلماء فرقوا بين الحامل والمرضع، فلم يوجبوا على الحامل الإطعام، لأنهم اعتبروا الحمل نوع مرض.
- وإذا أفطر الشيخ الهرم الذي لا يستطيع الصوم، فيستحب له أن يخرج فدية عن كل يوم أفطره، لما رواه أبو داود ، عن ابن عباسرضي الله عنه في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين} قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا. رواه أبو داود رقم (2318) وإنما لم يجب عليه الإطعام لسقوط فرض الصيام عليه.
هـ- الكفارة:
سبقت الإشارة بأن موجب الكفارة هو إفساد صوم رمضان خاصة عمدا قصدا لانتهاك حرمة رمضان من غير مبيح للفطر، فهي عقوبة لمخالفة واجب الصوم، وانتهاك حرمة شهر رمضان المعظم.
والأصل في الكفارة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: “وما أهلكك؟” قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: “هل تجد ما تعتق رقبة؟” قال: لا، قال: “فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟” قال: لا، قال: “فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟” قال: لا. ثم جلس، وأتي النبي عليه السلام بعرق فيه تمر قال: “تصدق بهذا؟” قال: فهل على أفقر مني؟ فما بين لابَّتيها (أي جبلي المدينة- حرتيها) أحوج إليه مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال: “اذهب فأطعمه أهلك” رواهالبخاري. وفي رواية “وصم يوما مكانه” رواه أبو داود رقم (2393).
وعليه، فالكفارة، إما أن تكون: بالإطعام أو بالعتق, أو بصيام شهرين متتابعين.
- الإطعام: هو إعطاء ستين مسكينا مدا لكل مسكين من غالب عيش أهل البلد، وليس المراد أن يجعله لهم طعاما، وإنما المراد التمليك والإعطاء، ويقدر المد بمد النبي عليه السلام الذي يساوي 430,08 غراما وقد سبقت الإشارة إليه في الفدية.
- العتق: وله أن يكفر بعتق رقبة مؤمنة كاملة الرق سليمة من العيوب الفاحشة.
- الصيام : أن يكفر بصيام شهرين كاملين إن لم يبدأ بالهلال، وإن بدأ بالهلال اقتصرعلى الشهرين ولو كانا ناقصين.
وعلى هذا فالحكمة من الكفارة هي صون الشريعة من التلاعب بها وانتهاك حرمتها، كما أنها تطهر نفس المسلم من آثار ذنب المخالفة التي ارتكبها بلا عذر. ومن هنا كان ينبغي أن تؤدى الكفارة على النحو الذي شرعت عليه كمية وكيفية، حتى تنجح في أداء مهمتها بإزالة الذنب ومحو آثاره من على النفس، والأصل في الكفارة قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” رواه الترمذي وحسنه.
(1) المراد بالتأويل هنا الظن (أي ظن إباحة الفطر) والتأويل القريب: هو ما استند إلى أمر محقق موجود. والتأويل البعيد: هو ما استند إلى أمر موهوم غير محقق.
جزاكم الله خيرا، على هذا التوضيح والبيان .