زعموا أن رجلا خرج يوما من منزله فوجد في طريقه جماعة من الناس في “خناق” يدوي عنيف استثار لدى صاحبنا ذكريات الشباب والفتوة، فدخل المعركة حمية يوزع لكمات ويتلقى أخرى يمنة ويسرة، حتى إذا أثخن التفت إلى من حوله مستغربا : أخبروني على الأقل مع أي فريق أنا؟. موقف هذا الرجل يشبه إلى حد كبير موقف الجيش الأمريكي في العراق هذه الأيام-فهو دخل ” خناقا” في العراق مع سبق إصرار وترصد-على خلاف صاحبنا- وأخذ يوزع ضربات ويتلقى أخرى بشكل يومي وهو لا يدري لحد الساعة من أين تأتي هذه الضربات ولا يكاد يميز بين الصديق والعدو فتارة يتهم فلول النظام البعثي السابق وأخرى يتحدث عن عناصر أجنبية وثالثة يشير إلى عناصر أخرى
المهم أن القيادة الأمريكية في العراق في وضع صعب لا تحسد عليه وقد تشابه عليها البقر واختلطت أمامها الأوراق واسودت أمامها الآفاق. وما يدل على هذا الارتباك الشديد حصول حوادث مفجعة غالبا ما تعزى إلى نيران صديقة كما حدث مؤخرا في الفلوجة إثر مقتل أكثر من عشرة من رجال الشرطة العراقية النظامية ومثل هذه الحوادث تحدث بكثرة أضف إلى ذلك حالة الهلع والاضطراب النفسي الشديد الذي أصبح الجنود الأمريكان يعانون منه بشدة وقد باتوا أسارى داخل ثكناتهم أو في دباباتهم وسياراتهم المصفحة ولا يجرؤ أحدهم أن يسير وحده بعيدا عن أصدقائه المدججين بالأسلحة حتى الأسنان، وفي ذهن كل واحد منهم نصيحة” رامسفيلد” إبان غزو أفغانستان” “Never let any body behind yoo” لا تترك أحدا خلفك أبدا كيفما كان هذا الأحد عدوا أو صديقا خوفا من هجوم مباغت أو” نيران صديقة” مصدرها جندي مذعور أو صاروخ ضل طريقه. هذا الوضع المأساوي الذي يعيش فيه الجيش الأمريكي في العراق عبر عنه العديد من المسئولين الأمريكان خاصة الرئيس بوش ورامسفيلد في زيارته الأخيرة لبغداد، وهذا ما حذا بقائد القوات الأمريكية الجديد ” ريكاردو شونشيز” للتفكير جديا بإخلاء بعض المدن العراقية خاصة تلك التي يتعرض فيها جنوده لعمليات متكررة… وعودا على بدأ، فإن ما يحدث هذه الأيام من مآس وويلات ودمار في العراق لهو نتيجة حتمية لدخول حرب دون الرجوع إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الوازنة والتي يفترض فيها تجنيب الإنسانية مزيدا من الدمار والحروب وتبعاتها المدمرة. فأمريكا دخلت العراق دون الرجوع إلى المنتظم الدولي ودون استشارة أحد متحدية بذلك جميع الأعراف والمواثيق الدولية والمئات من المظاهرات عبر العالم المنددة بالحرب وداعية إلى السلم والحوار
أمريكا أخذت على عاتقها استخدام القوة ضد” أشرار” هذا العالم بشكل انفرادي، وهذا من شأنه أن يهدد الأمن والسلام في العالم كما قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا ، أما الأمين العام كوفي عنان فقد انتقد بشدة مفهوم” الحرب الوقائية” الذي تقول به أمريكا، لأن تطبيقه يعتبر استخفافا جوهريا بالمبادئ التي قام عليها الاستقرار والسلام العالميين يضيف الأمين العام