كان بودي أن أعنون هذا المقال ب” المسلمون والطاقة الذرية بدل “العرب” ولكن ما حدث في المؤتمر الدولي الذي عقدته مؤخرا الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو الذي دفعني إلى وضع هذا العنوان. لقد كان الموقف مخزيا فلقد حاولت الدول العربية إدراج موضوع ” إخضاع النشاط النووي الإسرائيلي” للمراقبة الدولية ، والحد منه، لكن فوجئ المتتبعون بسحب هذا الموضوع من طرف الدول ذاتها والاكتفاء بعبارة فضفاضة قدمتها مصر وكانت تقدم دائما وهي جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وهيعبارة عامة لا أهمية لها إلا ذر الرماد في العيون كما يقال، فالعرب يقرؤونها بمعنى أن الكيان الصهيوني يدخل ضمن دول الشرق الأوسط وهو الكيان الوحيد الذي يملك أسلحة دمار شامل في المنطقة وبالتالي فهو يدخل ضمن هذه المنطقة بينما أصحاب القرار في العالم يقرؤونها بدلالة أخرى وهي الكيان الصهيوني لا يمكن أن يخضع لمقتضى هذه العبارة بحجة افتقاده للأمن…
على كل حال فلقد صفق العرب للقرار على أن يدرج الموضوع المقترح ضمن جدول أعمال الوكالة في السنة القادمة…وقال المعلقون: إن هذا كان يحدث كل سنة.
ولم يصفق العرب لهذا القرار فقط، بل صفقوا وبالإجماع -كما قالت وكالات الأنباء- لقرار آخر وهو ” مطالبة إيران بإخضاع منشآتها النووية للتفتيش المباغت من جانب وكالة الطاقة الذرية وإلا قدم الملف إلى مجلس الأمن…
غريب والله…. قضية يصير فيها الحليم حيرانا، والعاقل سفيها، ليس لأن الأمر كيل فيه بمكيالين كما يقال ولكن بألف مكيال ومكيال والصمت الرهيب يكاد يطبق الأمة ويعم العالم على هذا الظلم الذي عم، والحيف الذي تم. ولا أحد يتساءل عن السر وراء هذا التعامل بهذا الميزان المقلوب:
- من هو الذي لا يشعر بالأمن؟ هل هو الفلسطيني الأعزل، الذي تهدر كرامته يوميا، ويداس عرضه يوميا، وتجوس خلال شوارعه دبابات اليهود يوميا، ويهدم عليه بيته يوميا، ويشرد يوميا، ويقتل أحد أفراد أسرته يوميا، ويجوع يوميا؟؟؟ أم اليهود الإسرائيليون المتحصنون بالدبابات والمدرعات والصواريخ والطائرات ومختلف التحصينات والبنايات ، الذين يعيثون في أرض فلسطين فسادا، ليلا ونهارا، صباحا ومساء، من الذي لا يشعر بالأمن؟ هل هم أبناء العراق العزل الذين تداس حريتهم وتذل كرامتهم وتنتهك حرمات بيوتهم آناء الليل وأطراف النهار؟ أم هم الجنود الأمريكان الذين أتوا من وراء بحار وبحار، وملكوا على أهل العراق أرضهم وديارهم وفضائهم ونفطهم وأنهارهم وخيراتهم وهم مدججون بأحدث ما جادت به صناعة الأسلحة في العالم؟
- من الذي لا يشعر بالأمن؟ هل هم الإيرانيون الذين يحاطون بالسيطرة الأمريكية شرقا في أفغانستان وما حولها وغربا في العراق وما حوله ويهددون بتدمير مفاعلهم النووي في كل وقت وحين؟. أم هم الأمريكان واليهود الذين لا تخفى أفعالهم على الغافل الجاهل فكيف بالعاقل العالم؟ الجواب معروف لكن يا ليت قومي يعلمون وإذا علموا يعملون.