بحلول كل موسم دراسي جديد، تدب حركة خاصة في شرايين المجتمع، التسجيل إعادة التسجيل، الانتقال، إعادة التوجيه، اقتناء الأدوات، فتح محلات تجارية خاصة، المؤسسات الجامعية التي يمكن التسجيل فيها، والأخرى غير مسموح الاقتراب منها، والقائمة طويلة من القضايا التي ترتبط بكل دخول مدرسي وجامعي، قضايا تؤسس على عدد من الآمال سرعان ما تنقلب كلها أو جلها إلى آلام
- آمال الأمة في أن يصبح لها موقع بين الأمم بالتعلم والمعرفة
- وآمال الآباء في أن يصبح لأبنائهم مستقبل يؤمِّنوا به عيشهم، ويخدموا بواسطته وطنهم
- وآمال الأبناء في أن يصبحوا رجال المستقبل بناة لوطنهم، حماة لعقيدتهم، حتى يضمنوا لبلادهم التقدم والتحضر، ولأمتهم المجد والسيادة
- وآمال الشريحة التعليمية من معلمين وأساتذة وجامعيين في أن يكون لهم مستوى معيشي يشرف مكانتهم ويحفظ ماء وجوههم
لكن هذه الآمال كلها، أو جلها على الأقل، سرعان ما تتبخر حينما تصطدم بصخرة الواقع، وتتحول إلى آلام تنغص على الأسر حياتها وهدوءها
- فالتعليم كما هو واقع الآن حتى في المنظومة الإصلاحية الجديدة، سواء على المستوى الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي- بعيد كل البعد عن أن يحقق للأمة مستقبلا زاهرا، ويصنع لها تقدما يقارب حتى ذلك التقدم الذي يلاحظ عند بعض الدول الآسيوية، بله الأوروبية، لأن المنظومة التعليمية قبل التغيير الحاصل عليها كانت قد وصلت من الترهل والاسترخاء ما لا يحسه ويشعر به إلا الغيورون على هذا الوطن، ولم يأت التغيير الجديد بشيء يُشعِر بأن الأمر يتعلق بإصلاح طموح، لأسباب عديدة أهمها أنه لم يكشف عن الداء حتى يعطي الدواء المناسب، بل جاء من وراء البحار لا ليعالج الداء ولكن ليجعله مستفحلا، ليبعد أبناء هذا الوطن عن هويتهم وتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم وعن تحقيق مستقبل زاهر لهم
- وأما الآباء فهم في هم يومي، بين المدارس العمومية التي انحط فيها المستوى وتدهور، والمضاربة بالساعات الإضافية بشكل مخيف، وبين المدارس الخصوصية التي أصبح بعضها مؤسسات تجارية قبل أن تكون تربوية.والخوف على مستقبل أبنائهم، نتيجة انتقام مدرس متهور، لأن التلميذ لم يستجب لابتزاز الساعات الإضافية، أو نتيجة تضليل المؤسسات التربوية الخاصة
- وأما الأبناء فآمالهم البريئة وأحلامهم الطموحة، تتكسر هي الأخرى، وتجهض بشكل وحشي نتيجة قمع ما يسمى بالساعات الإضافية من جهة، ونتيجة ما يبصرون بشكل يومي ويعاشرونه: أخ مجاز عاطل، وأخ دكتور عاطل، وخال مهندس عاطل، وعم طبيب عاطل، وابن عم صيدلي عاطل، والقائمة طويلة
فهل سيكون مصيرهم هو نفس مصير هؤلاء الأطر العاطلة أو المعطلة
- أما الشريحة التعليمية فهي جامعة لكل همٍّ، هَمّ الأمة، وهم الآباء، وهَمُّ الأبناء، وهذه الشريحة هي الحلقة الأضعف في البناء الهرمي لموظفي الدولة، يبدو ذلك من خلال مقارنة أطر موظفي وزارتي التربية الوطنية والتعليم العالي بموظفي الوزارات الأخرى، ومقارنة الجهد الذي يبذله هؤلاء وأولئك من العاملين المخلصين
حينما يقدم سنتيم واحد زيادة في أجور الطبقة التعليمية تقوم الدنيا ولا تقعد ويعلم بها القاصي قبل الداني، حتى الرعاة في الجبال، والفلاحون في السهول، لكن حينما تحدث هذه الزيادة في بعض القطاعات الأخرى وهذه الزيادة غير تلك- فإنها في بعض الأحيان لا يعلم بها حتى أصحابها.