ابتلاء العلماء الربانيين سنة الله في خلقه:
كلما كان العلماء عاملين وكانوا نشيطين، كان الظلم لهم شديدا من قبل المنافقين. يكفي مثلا أن نسأل عن نوع العاطفة التي يجدها كل إنسان علماني أو منافق أو مادي الآن نحو السيد قطب مثلا والسيد عبد الله گنون، والسيد أبو الحسن الندوي، والمودودي، والنورسي وغيرهم كثير ممَّن ذاقوا الظلم ألوانا وأشكالا
قطب لا يمكن أن يذكر اسمه، اسمه محظور وإذا تحدث عنه هؤلاء قالوا رجل أمريكي ورجل غربي ورجل كان كذا. هذه اتهامات رخيصة، إن الذي يخدم أمريكا لا يمكن أن يضحي من أجلها برقبته، إن سيد قطب ضحى من أجل الإسلام، ومات من أجل الإسلام، في وقت كان معظم الناس منافقين، وكانوا جبناء، وكانوا دائما يطلقون البخور على الزعماء الذين كانوا يملؤون الدنيا. من كان يقول يومئذ لزعيم من الزعماء أنه على خطأ، لكن هؤلاء العلماء كانوا يقولون ويجْهرون
وبما أنهم ناقضوا وناقشوا الزعماء الكبار -الذين كانوا يبشرون بكل شيء، بالعدل، بالرخاء، بالشغل ، بالنصر- فإنهم صاروا حينئذ متهمين بأنهم مسخرون من الخارج. هؤلاء العلماء كانوا مسلمين، ولذلك أقول إن ما قدموه حقيقةً جُهْدٌعظيم جدا، أيقظ الأمة الإسلامية، أَرْجَع الأمة الإسلامية إلى وعيها ولو على حساب رقابهم كما وقع للشهيد سيد رحمه الله
كتابات سيد قطب والغزالي والسباعي وعودة وزيدان وغيرهم أحْيَتْ الأمة الإسلامية في مجالات عدة، في الفهم للعقيدة، والشريعة، والاقتصاد، والشورى، وغير ذلك. بل أكثر من ذلك أزالوا الغشاوة عن الأعْين العُمي التي كانت تظن أن الإسلام يناقض التقدم الحضاري الشامل، ولا مناص للمسلمين -إذا أرادوا اللحاق بالركب- من أن يستوردوا الحلول لمشاكلهم من المرجعيات الأجنبيَّة، فبكتابة هؤلاء وتضحياتهم صحا المسلمون الصحوة المباركة المتمثلة في إيمانهم بأن الإسلام هو الحق الذي يكفل لهم التقدم الحقيقي في كل مجال
نسيان العلماء والاهتمام بالتافهين دليل على تيهان الأمة:
أمتنا فقدت عدداً من كبار العلماء خالد محمد خالد، والشيخ محمد الغزالي وشيخ الأزهر والندوي وغيرهم، ساروا إلى الله عز وجل، فلم يفكر الإعلام على الأقل في أن ينصفهم جزءا من الإنصاف، أن يقف نوعا من الوقفات المحايدة كما يقف الآن مع التافهين، مع الذين لا قيمة لهم فيمجدهم ويحيى ذكراهم بدون أن يلتفت إلى علمائنا ومفكرينا. فماذا كان يعمل هؤلاء التافهون؟ كانوا يحبون المال والدنيا ويتقربون من هذا وذاك. أهذه هي رسالتهم؟، رسالتهم أن يجمعوا المال ويأخذوا الجوائز والإكرامات ومثل هؤلاء كثير
والأمة حينما تتجاهل علماءها ، مثل الشيخ محمد الغزالي الذي خلف للأمة الإسلامية ما يقرب من مائة كتاب. كلها كتب في تصحيح الفهم، وفي توضيح الأمور للأمة، وكلها دفاع عن الشريعة الإسلامية، أما الندوي فقد خلف عدة كتب توضح تجاربه الدّعوية، والمبادئ الأساسية لنجاح الدّعوة بالحكمة في الشعوب الإسلامية وغيرها، الأمر الذي ينفع الأمة في حاضرها ومستقبلها. حينما يضحى هؤلاء الناس بأنفسهم وبأبدانهم، وحينما يذوقون السجن ويذوقون أشياء كثيرة مرت بهم، وحين يقع كل هذا تتبرع علينا بعض الجرائد في نهاية الصفحة الأخيرة بكلمات لا تتعدى ثلاثة أو أربعة أسطر في حق هؤلاء. ومن بعد يتحدثون عن مسرحي، أو رسام، أو شاعر، توفي الآن في فرنسا أو غيرها، لا يعرفهم الناس وما أثَّرُوا فينا، ولا نفعونا، وما أفادونا شيئا
هناك كيد ومؤامرة ضد الإسلام، موجهة ضد علماء الإسلام، إنّ علماء الإسلام مستهدفون في حياتهم وبعد مماتهم حتى يكون تغييبهم مقصوداً أي لا نُعْطيهم حجما أو مكانةً من المكانات، لأن هذا ينصُرهم ويؤيدهم ويدعمهم، ونحن لا نحب هذا، فنوجه شبابنا إلى لاعب كرة في البرازيل، أو بائع مخدرات مشهور ليس لنا فيه صلاحية لأن يكون نموذجا و لا مثالا ولا قدوة لأحد
هذه الأمة ترفع الفقاعات والتافهين والفارغين وتجعلهم مُثُلاً ونماذج حتى ينساق الناس في هذا الاتجاه.إن العلماء هم رموزٌ تشير إلى وجود الإسلام، فكرهُهُم وبغضهم هو بُغْضُ للإسلام، وبغضهم هو بغضٌ للدور الذي قاموا به، وهؤلاء هم الذين يمثلون في حياة الإسلام وظيفة أهل القرآن
أهل القرآن كما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الله وخاصته، أهْلُ الله تعالى اختصهم ليكونوا العاملين بمبادئ القرآن وأخلاقه. إذا كان اللهاختارهم إلى درجة أن نسبَهُمْ إليه، وجَعَلَهُم أهْلَهُ فما هو انعِكَاس هذا في حياتنا فعلا؟؟ أي ما ذا يمكن أن نعامل به واحدا ممّن اختصه الله تعالى، وجعله يَحْمِلُ القرآن؟؟، كيف نعاملُه نحن ؟ هل نعامله على أنه ليس من أهل الله؟ هل نعامله على أنه ليس فيه الفضل وليس فيه الخير؟؟. نحن طبعا لنا تصرف آخر، وأعداء الدين لهم تصرف أبعد من هذا. هو في نهاية المطاف لا يأبه بالعلم على الأقل، وكأن الأمة اتفقت على محاصرته وتطويقه وتحجيمه وتقزيمه وإيقافه. وتلك من أعظم المصائب التي أصابت الأمة، مصائب الجهل بالدّين، ومصائب التجهيل بالدّين، ومصائب تغريب أهل الدّين، ومصائب تهميش العلماء الربّانِيّين وتجاهلهم أحياء وأمواتا