قال تعالى: {أم يقولون نحن جميع منتصر، سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر} (القمر: 44- 45- 46)
كثير من الناس يغترون بقوتهم، وينسون قوة رب السماوات والأرض، فهذا أبو جهل يقول يوم بدر، وهو يرى جيشه أضعاف جيش المسلمين: “نحن جميع منتصر” اعتمادا منه على كثرة عدده وعدته، وقبله قالت عاد -قبيلة هود عليه السلام- في تبجح واضح، وتحد صارخ: {من أشد منا قوة؟} قال الله تعالى: {فأما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق، وقالوا : من أشد منا قوة؟}(فصلت: 15)ل
وهذا قارون بغى على قومه بقوته، وافتخر عليهم بكنوزه وأمواله، قال تعالى: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} (القصص: 76) ونصحه قومه، ووعظوه وأرشدوه، وذكّروه بأن ذلك من عطاء الله، فسخر منهم وقال: {إنما أوتيته على علم عندي!!}(القصص: 78)ل
وهذا فرعون اغتر بسلطانه، وبغى على بني إسرائيل بملكه، وبلغ به الغرور كل مبلغ حتى رأى نفسه إلهًا من دون الله، قال تعالى في شأن زينته وأمواله: {وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك} <(يونس: 88) وقال تعالى في شأن قوته وطغيانه: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} (النازعات: 17) {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون..}(الزخرف: 51) {وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد} (الفجر: 10- 11)، وأخيرا نصب نفسه إلهًا من دون الله الواحد الأحد، فقال: {أنا ربكم الأعلى} (النازعات: 24) وقال: {يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} (القصص: 38)ل
وأمثال أبي جهل وعاد وقارون وفرعون من المغترين بقوتهم وأموالهم وسلطانهم كثيرون
فأما أبو جهل فرد الله عليه بقوله: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} (القمر: 45) وكذلك كان، حيث قتل هو، وانهزم جيشه شر هزيمة في غزوة بدر
وأما عاد -قوم هود- فرد الله تعالى عليهم بقوله: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة؟ وكانوا بآياتنا يجحدون} ثم بين سبحانه كيف دمر قوتهم، وأباد جبروتهم، فقال: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نَّحْسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} (فصلت: 16)ل
وأما قارون فقد رد الله تعالى عليه بقوله الكريم {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا؟ ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون} (القصص: 78) ثم بين القرآن كيف دمّر الله عز وجل قارون بقوله: {فخسفنا به وبداره الارض، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين} (القصص: 81)ل
وأما فرعون، مدعي الألوهية! ذو الزينة والأموال والسلطان، فقد أغرقه الله تعالى في البحر، وجعل منه عبرة لكل طاغية وجبار {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا، حتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، ءالان وقد عصيت قبل وكنت منالمفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك ءاية، وإن كثيرا من الناس عن ءايتنا لغافلون} (يونس: 90- 91- 92)ل
هكذا -إذن- كانت عاقبة هؤلاء الذين اغتروا بقوتهم، وزين لهم الشيطان البغي والظلم والطغيان، نسوا قوة الله تعالى فأخذهم سبحانه أخذ عزيز مقتدر، لم ينفعهم أمام عذاب الله الماحق، وعقابه الشديد، وقوته القاهرة، لا سلطانهم، ولا قوتهم، ولا علمهم. {ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب} (البـقـرة: 165)ل
ويبقى ما ينتظرهم في الآخرة أشد وأنكى وأخزى مما لاقوه في الدنيا من عذاب{ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} (طه: 127)، {لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق، وما لهم من الله من واق} (الرعد: 34)ل
ألا فليتأمل هذا المصير المشؤوم، والعاقبة السيئة، والنهاية الأليمة، جبابرة زماننا، وطغاة عصرنا، وليتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان، فإنهم مهما أمْهِلوا فلن يُهْمَلوا، ومهما طال الزمان، فـ {الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر} مما أصابهم من بلاء، أو حل بهم من عذاب وعقاب
عن ابن سماعة عن محمد بن الحسن، عن القاسم بن معن أن أبا حنيفة، قام ليلة يردد قوله تعالى: {بل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر} ويبكي ويتضرع إلى الفجر (1)ل
فاللهم الطف بنا حين الوقوف بين يديك، ولا تخزنا يوم العرض عليك، واجعلنا من الناجين لديك، يا أرحم الراحمين
(1) سير أعلام النبلاء 401/6