العمل الإسلامي في إسبانيا من خلال تدخل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والموجه أساسا إلى المغاربة المقيمين هناك أو العابرين يحتاج إلى نظرة موضوعية مرتكزة على شيئين اثنين.
1- أرقام وإحصاءات ومعطيات ميدانية ومستندة على البيانات الرسمية وعلى كتب ودوريات وما تنشره وسائل الإعلام المختلفة في هذا الصدد وكذا ما تعده مختلف الجهات المعنية بالشأن الإسلامي للمغاربة في تلك الديار.
2- تجارب شخصيات عايشت الشأن الديني هناك وسايرته منذ مدة كافية اكتسبت من خلاله التجربة اللازمة والاستعداد الكافي للإدلاء بتصور متكامل عن هذا الأمر، وأعني تجارب أشخاص صدقوا الله في دعوتهم إلى الله وابتغوا خدمة إخواننا المغاربة في المهجر فيما يتعلق بعقيدتهم وملتهم الإسلامية التي هي الركيزة الأولى في هويتهم الوطنية.
ويمكنني أن أزعم وأنا صادق في زعمي أن إخواننا المغاربة في المهجر عموما يمكن تصنيفهم إلى ثلاث فئات :
> الفئة الأولى : لطف الله بها فما زالت إلى الآن تحافظ على كلا الأمرين : الإسلام والهوية المغربية فهي تجمع ما بين المحافظة على ديننا الحنيف وما بين الانتماء للوطن أرضا وشعبا ودولة ونظاما، وهي فئة تستحق أن يؤخذ بيدها وأن تنال التكريم والاعتزاز لكونها رغم أهوال الغربة وأعاصير الزمان وفتن الجاهلية الغربية وتيارات الردة والكفر ما زالت بحمد الله متشبثة بحبل الله المتين مؤمنة بالله ورسوله مؤمنة بالقرآن وبالسنة الشريفة وملتزمة بالإضافة إلى ذلك بالانتساب لمغربنا العزيز ومحبته وخدمته والدفاع عنه والافتخار به.
> الفئة الثانية : وهذه الفئة لطف الله بها في جانب الإسلام فهي لم ترتد إلى الكفر ولم تتنصر ولم تتهود ولم تلحدفهي باقية على عهد الله مؤمنة بالإسلام جملة وتفصيلا وتطبقه على قدر الاستطاعة ولكنها من جانب آخر قطعت صلاتها بالوطن وتنكرت للمغرب وتخلت عن جنسيته وبترت ما تربطها به من صلات فهي غير راغبة فيه ولا مهتمة به ولا تنتسب إليه، وذلك لعوامل مختلفة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية يطول تتبعها وشرحها، وبعض هذه الطائفة وإن زار المغرب في بعض الأحيان وقدم إليه فإن قدومه إليه يكون بالبدن لا بالروح، وإن زيارته له لا تعدو أن تكون في إطار السياحة أو قضاء بعض المصالح المادية والأوطار والأغراض المختلفة لا أقل ولا أكثر، فالأفئدة لدى هذه الطائفة تخفق بحب غير المغرب والدم الذي يجري في عروقها غير الدم المغربي، فلا قوة إلا بالله.
> الفئة الثالثة : وهي أقلية ولله الحمد وهي مع الأسف تخلت عن الدين والوطنية معا فارتدت عن العقيدة وكفرت بالله ثم أضافت إلى عقوقها ا لديني العقوق الوطني حيث اتخذت بالقلب والجوارح وطنا آخر وأوطانا أخرى تلتزم بدستورها وتنشد النشيد الرسمي تحت علمها وتحلل حلالها وتحرم حرامها فإنا لله وإن إليه راجعون وإليه المشتكى.
والموضوع الذي نحن بصدده وهو الشأن الإسلامي في إسبانيا يحتاج إلى جلسات ومذاكرات وتبادل أفكار مع الاستعانة بتقارير وبيانات وملتمسات الجمعيات الإسلامية المغربية والجمعيات المغربية الأخرى ذات الطابع الثقافي والحقوقي والتربوي والاجتماعي والإعلامي حتى تكتمل الصورة وتقوم الأدلة وتنهض الحجة لوضع استراتيجية موضوعية لمشروع العمل الإسلامي الموجه للمغاربة في المملكة الإسبانية.
على أننا بإيجاز يمكن أن ندلي بالمقترحات والملاحظات التالية التي نبنيها على أساس معايشتنا للدعوة الإسلامية في إسبانيا والتي تناهز ربع قرن كامل اكتسبنا خلاله المعرفة اللصيقة بالواقع والأشخاص الذاتيين والمعنويين الذين يشكلون هذا الواقع أو جزء من هذا الواقع.
ومرادنا الانخراط في ثواب النصيحة التي جاء فيها الحديث النبوي الصحيح على صاحبه الصلاة والسلام : ( الدين النصيحة):
1- يجب ربط الاتصال المباشر مع الجمعيات والهيئات والمراكز الإسلامية في إسبانيا وتبادل الأفكار وطلب المعلومات فيها.
2- إبعاد كل ماله علاقة بالسياسة من العمل الإسلامي وإبقاء الشأن الديني محميا من كل النعرات والتأثيرات ذات الطابع الحزبي والسياسي والدعائي.
3- العمل على جمع الكلمة بين المسلمين ومحاربة التفرقة العنصرية والتمييزبالعرق واللون واللسان.
4- الدعوة إلى التمسك بالوسطية والاعتدال والانفتاح والأخذ بالأيسر والأسهل كلما وجدنا في إسلامنا الكريم ما يدعو إلى الترخيص ورفع الحرج والكلفة ودرء المشقة وجلب التيسير.
5- ينبغي الاعتناء بفقه (الأقليات الإسلامية في الغرب) وهو فقه جدير أن تنفخ فيه الروح وتقام له الندوات ويعقد من أجله لواء الاجتهاد وتنظم في سبيل تقعيده وتأصيله المجامع الفقهية للاجتهاد الفردي والجماعي. الذي ينبغي أن يراعي ظروف الواقع محليا وإقليميا ودوليا ومصلحة المسلمين حيث ما تعينت مع التمسك بالثوابت والأساسيات والأحكام المجمع عليها وما هو قطعي الثبوت والدلالة وفيما عدا ذلك يبقى مجالاللاستنباط مراعاة للتغييرات المستمرة في الأزمنة والأمكنة والملابسات.
وعندما نتحدث عن هذا النوع من الفقه فإننا نريد بذلك أن ننشئ نوعا جديدا من المعرفة الفقهية يلامس حياة عشرات الملايين من المسلمين الموجودين عبر العالم كأقليات في دول غير مسلمة وبالطبع فهذا الفقه سيستفاد منه في نازلتنا عن المسلمين في إسبانيا.
6- السفارة المغربية في مدريد وسائر القنصليات المغربية بإسبانيا يجب أن تتوفر كل منها على ممثل ديني للمغرب يرجع إليه في الاختصاص الإسلامي الديني أو كل ماله علاقة بديننا الكريم ومثل هذا المسؤول في كل قنصلية سيكون بطبيعة الحال واسطة مباشرة ما بين الجهات الرسمية المغربية في الداخل المعنية بالإسلام وما بين الجالية المغربية الموجودة في الدائرة المنسوبة لكل قنصلية.
إذ نلاحظ مع الأسف أن هذه القنصليات تقتصر على تدبير الشؤون الإدارية المحضة وتغفل المسائل المرتبطة بالشعائر والعبادات فوقع فراغ شديد وأدى الأمر إلى ضياع لأمانات دينية وبروز انحرافات واهتزازات كنا في غنى عنها.
إن وجود ممثل ديني في كل قنصلية مغربية على مستوى واعظ أو إمام أو خطيب أو عالم أو مفتي أوبأي صفة كان لمن شأنه أن يساعد على ضبط الشأن الديني بسلام وأمان وتنسيق الجهود عوض بعثرتها واختصار الطريق وتزويد الإدارة المغربية بتقارير دورية عن الحاجيات الروحية والمطالب الشرعية لعمالنا وطلابنا وسياحنا في إسبانيا.
إننا نلح على تعيين مثل هؤلاء في المناصب ا لدينية على مستوى كل قنصلية ويبقى من مهامهم بالإضافة إلى الإرشاد الديني الذي ينصب في العبادات بالنسبة للعامة على مذهب الإمام مالك ] أن يتلقوا شهادات معتنقي الإسلام ويضبطوها في سجلات، وكذا يبقى من مسؤولياتهم الاتصال بوسائل الاعلام في الخارج لتنفيذ التهم الباطلة الموجهة لديننا الحنيف وتزييف الادعاءات الفارغة التي تلصق بملتنا السمحاء ولذا يجب أن يكونوا متوفرين على اللغة الإسبانية وعلى قدر من ثقافة القوم وأن يشهد لهم بالاستقامة والسمو والتكوين الفكري العالي.
7- يجب الاهتمام بالمجتمع المدني وممثليه الذين تختارهم القطاعات ا لمختلفة للجالية المغربية في إسبانيا.
8- ومن الأمور التي أغفلتها الدبلوماسية المغربية في إسبانيا وتهاونت في شأنها قضية الوحدة الترابية للمغرب إذ تزعم أنها لم تقم بكل ما كان بإمكانها أن تقوم به لتفنيد أكاذيب خصومنا وتركت فرصا قيمة تضيع ولم تستطع ان تتغلغل بالقدر الكافي إلى الرأي العام الإسباني لتقنعه بعدالة استرجاعنا لأقاليمنا الصحراوية.
ونحن لا نتهم المسؤولين بسوء النية حاشا الله ولكننا نؤاخذ عليهم أنهم قصروا في المسألة بأمور كان يمكنهم القيام بها لتنظيم حملات موسمية وأخرى دائمة للتوعية والتحسيس والتنبيه لعدالة استرجاعنا لأراضينا إذ لو تم استغلال كل المنابر والطاقات الشابة والوسائل المتاحة البشرية والفكرية والمادية لكان الرأي العام الإسباني أشد تحمسا للمغرب في مسألة الصحراء مما هو عليه الآن وكان بالإمكان إدخال العنصر الروحي الديني الذي لم يقع توظيفه في مواجهة الخصوم والمستغفلين من قطاعات واسعة في المجتمعين السياسي والمدني الإسباني.
9- إن الدفاع عن الإسلام وتثبيت ترسيخه في نفوس الجالية المغربية والأجيال الشابة المترعرعة منها في بلاد المهجر ينبغي أن يتوازى في نفس الوقت مع التشبث بالأصالة المغربية لغة ووطنا ونظاما وهذا يقتضي إعمال الفكر وجمع المعطيات الصحيحة من مختلف المراجع ا لعربية والعجمية ومختلف المصادر الوطنية والأجنبية للخروج برؤى واضحة في المرحلة المقبلة من العمل الذي نرجو أن يكون موفقا عندما يوجه لصالح أبنائنا وإخواننا وأخواتنا في الغرب المسيحي عامة وفي بلاد الأندلس بصفة خاصة.
10- إن العشوائية في ممارسة العمل الموجه لتلك الجالية قد أضركثيرا بالجهود وأفضى إلى نتائج ناقصة ودون ما كنا نتوخاه، فهذه العشوائية التي طبعت حركة الجهات الرسمية بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج قد ضيعت فرصا ثمينة كان يمكن لو استغلت أن تعود بالفائدة الجليلة على تلك الفئة المغتربة من مواطنينا الأعزاء.
فظاهرة الارتجال والتسرع في اتخاذ القرارات وسوء التسيير المتجلي في الاعتباطية عند التعيينات وكذا سوء اختيار البرامج والمناهج والتأثر بالزبونية في انتقاء الوعاظ والمرشدين الموسميين وإهمال المطبوعات والوسائل الإعلامية والانكماش على الروتين الإداري البارد والقناعة بتطبيق الاوامر غير المعللة والخاضعة للأمزجة المتغيرة كل ذلك أفضى إلى انعدام سياسة واضحة في الشأن الديني الموجه لإخواننا في المهجر فضجوا بالشكوى وتناقلوا فيما بينهم عبارات السخط والاستهجان لكثير من السلبيات التي صبغت كثيرا من التصرفات والمواقف والإجراءات المرتبطة بهذا الصدد.
خــاتـمـــة
بناء على ذلك كله يرى العبد العاجز من واجبه أن يوصي بما يلي :
1- تكوين خلية للبحث والدراسة في موضوع رسالة المغرب في الشأن الإسلامي بإسبانيا وكيف يمكن أن يضطلع حاضرا ومستقبلا بهذه المهمة السامية بشكليتوازى مع مصالحه الوطنية والقومية ومع المصالح العليا للأمتين العربية والإسلامية، ومن شأن هذه الخلية أن تقدم الخطوط العريضة للسياسة المقترح إنجازها حيال هذا الموضوع مع ترك التفاصيل الدقيقة والجزئيات والفروع لما تقتضيه الظروف والمستجدات والملابسات
2- الخلية يجب أن تضم العناصر الآتية :
- شخص أو أكثر يمثل الجانب الإداري.
- شخص أو أكثر يمثل التمثيليات المغربية الرسمية في إسبانيا.
- ممثل محنك ذو تجربة وحنكة ودراية بالعمل الدعوي الإسلامي في إسبانيا ( أو أكثر من شخص).
- شخص مكلف برصد ما تنتجه وسائل الإعلام المختلفة وجمع المادة وترتيبها واستغلالها وتوظيفها وتصنيف معطياتها.
- شخص مكلف بالاتصال مع الهيئات والمنظمات والجمعيات والمراكز والمساجد والفعاليات الإسلامية المختلفة في إسبانيا والتنسيق معها وأخذ المعلومات منها.
3- الخلية تنجز تقارير موضوعية تتضمن توصيات واضحة بما يمكن أن يتم إنجازه من أنشطة وبرامج متوسطة وبعيدة المدى.