لم يمنع الإسلام أبناءه من البر والإحسان، والعدل والإقساط لمخالفيهم سواء كانوا أهل كتاب أو أهل أوثان إذ أقر الإسلام التعدد في المذاهب و الآراء، ولم يضق ذرعا بالاختلافات وتنوع الديانات.
قال تعالى : {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} (الزمر: 17)
وإن الإكراه على العقيدة ممنوع بعدما تبين الحق من الباطل وتميز الهدى من الضلال قال تعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس: 99).
ومواطن العبادة مهما اختلفت عقائد أصحابها مقدسة لا ينبغي تدنيسها، ولا تخريبها ولا تدميرها، قال تعالى : {ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} (الحج: 40).
والاختلاف في العقيدة والديانة لا يمنع من التعامل بالبر و الإحسان، والضيافة والإكرام قال تعالى : {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}(المائدة : 4) ويحل للمسلم أن يتزوج الكتابية، قال تعالى : {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} (المائدة: 5)، مع ما في هذه المصاهرة من المودة والرحمة قال تعالى : {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
واحترام مشاعرهم بعدم سب آلهتهم مطلوب شرعا قال تعالى : {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} (الأنعام :108).
وإذا كانت علاقتنا قائمة على الأمن والسلام، والتعارف والتقارب والتبادل والتعاون، وجب -والحال كذلك- أن يسودها البر والعدل قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8).
والتواصل بالحوار البناء والجدال الحسن مع مخالفينا منصوص عليه بقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} (العنكبوت:46).
قال خلف بن المثنى: “لقد شهدنا عشرة في البصرة يجتمعون في مجلس لا يعرف مثلهم في الدنيا علما ونباهة وهم : الخليل بن أحمد صاحب النحو، وهو سني، والحميري الشاعر وهو شيعي، وصالح بن عبد القدوس وهو زنديق، وسفيان بن مجاشع وهو خارجي، وبشار بن برد وهو خليع ماجن، وإبن رأس الجالوت الشاعر وهو يهودي، وابن النظير المتكلم وهو نصراني، وعمر بن المؤيد وهو مجوسي، وابن سنان الحراني الشاعر وهو صابئي،… كانوا يجتمعون فيتناشدون الأشعار ويتناقلون الأخبار، ويتحدثون في جو منالود لا تكاد تعرف منهم أن بينهم هذا الاختلاف الشديد في دياناتهم ومذاهبهم…” من روائع حضارتنا ص89.